ذكر عدة حوادث
في سنة سبعين وخمسمائة ، واسمه يحيى بن عبد الله بن محمد بن المعمر بن جعفر أبو الفضل ، وحج بالناس عدة سنين ، وإليه الحكم في الطريق ، وناب عن الوزارة ، وتنقل في هذه الأعمال أكثر من عشرين سنة ، وكان يحفظ القرآن . وفي هذه السنة ظهر رجل من قرية مشغرا من معاملة دمشق وكان مغربيا فادعى النبوة ، وأظهر شيئا من المخاريق والمخاييل والشعبذة والأبواب النيرنجية ، فافتتن به طوائف من أهل تلك الناحية من الطغام والهمج والعوام فتطلبه السلطان فهرب في الليل من مشغرا إلى معاملة حلب فالتف عليه كل مقطوع الذنب وأضل خلقا من الفلاحين لا المفلحين ، وتزوج امرأة أحبها ، وكانت من أهل تلك البطاح فعلمها أن ادعت النبوة فأشبها قصة مسيلمة وسجاح ، فلعنهما الله كلما غب الحمام وهدر ، وكلما ضب الغمام وقطر . مات زعيم الدين صاحب المخزن
وفيها هرب وزير الخليفة ونهبت داره .
وفيها درس أبو الفرج بن الجوزي بمدرسة أنشئت للحنابلة فحضر عنده قاضي القضاة أبو الحسن بن الدامغاني والفقهاء والكبراء وكان يوما مشهودا وخلعت عليه خلعة سنية . ومن الحوادث فيها .
أنه في يوم الجمعة غرة المحرم ركب الخليفة من داره إلى الجامع فخرج من باب الفردوس ودخل الديوان راكبا ونزل عند باب المجاز الذي ينفذ إلى الطريق وركب من هناك ودخل المقصورة لصلاة الجمعة وسبب ذلك أن طريقه في السراديب انسدت من زمان الغرق بالماء والتراب .
وجرت خصومات بين أهل باب البصرة وأهل الكرخ قتل فيها جماعة واتصلت وأصلح بينهم من الديوان ثم عادوا إلى الخصام فتولى الأمر سليمان بن شاووش فخافوا سطوته وكفوا .
وفي يوم الأحد ثالث المحرم: ابتدأت بإلقاء الدرس في مدرستي بدرب دينار فذكرت يومئذ أربعة عشر درسا من فنون العلوم .
وفي سابع عشر المحرم: أخذ رجل قد خنق صبيا بسبب حليقات كانت في أذنه ونصفية بياض وكان الرجل خياطا من الجانب الغربي وإن والد الصبي كان غائبا فلما حضر ضرب عنق هذا .
وفي يوم الجمعة ثاني عشرين المحرم: نصب جسر جديد أمرت بعمله جهة من جهات المستضيء بأمر الله تلقب بنفشة وكتبت اسمها على حديدة في سلسلة وجعل تحت الرقة مكان الجسر العتيق وحمل الجسر العتيق إلى نهر عيسى فبقي تحت الرقة إلى أن حول في هذه الأيام نحوا من خمسين سنة فوجد الناس له راحة عظيمة بوجود جسرين .
وفي يوم الأحد ثالث عشر ربيع الأول: أعيد أبو الحسن بن أحمد الدامغاني إلى قضاء القضاة بعد أن بقي مصروفا خمس عشرة سنة وكان قد تولى مكانه لما عزل أبو جعفر ابن الثقفي فمات [فولي جعفر ولد ابن الثقفي قضاء القضاة فمات] فولي [روح] بن الحديثي قضاء القضاة فمات وأرجف لولد ابن الحديثي بذلك فلم يمض شهر حتى مات فأعيد ابن الدامغاني وقبض على صاحب الديوان ابن البخاري ووكل به في المخزن ورفعت إليه أشياء ثم نقل إلى الديوان موكلا به مديدة ثم أطلق .
وفي هذه الأيام: انتدب رجل يأخذ الطرزدانات من الدكاكين ويهرب ثم وقعوا به فأظهر ما كان يأخذ .
. وكسفت الشمس وقت طلوعها يوم الثلاثاء ثامن عشرين ربيع الآخر فبقيت كذلك إلى ضحوة عالية
وفي ليلة السبت عاشر جمادى الأولى: وقع في البلد انزعاج شديد من وقت العتمة ولبس العسكر [السلاح] ولم يدر ما السبب ثم أصبح الناس على ذلك الانزعاج ولم يفتح باب النوبي ولا باب العامة وزاد الانزعاج وركوب العسكر وجعلت الظنون ترجم وكل قوم يرجفون بشيء وبقي البابان مغلوقين طول النهار وكان يفتح بعض جانب باب النوبي فيدخل من يريدون ثم يغلق فانكشف الأمر إلى آخر النهار وهو أن الأمر وقع إلى أستاذ الدار صندل إذا كان في غد فأحضر ابن المظفر وغير ثيابه ومره بالقعود في الديوان فبلغ هذا الخبر قيماز فغضب من ذلك وأغلق باب النوبي وباب العامة وقال لا أقيم ببغداد حتى يخرج منها هو وأولاده وأن هذا عدوي ومتى عاد إلى الوزارة قتلني فقيل للوزير ابن المظفر تخرج من البلد فقال لا أفعل فلما شدد عليه وخيف من فتنة قال أنا أعلم أني إذا خرجت قتلت فاقتلوني في بيتي فتلطفوا به وقالوا لا بد من هذا فسأل بأن يفتح الجامع ويحضر فخر الدولة بن المطلب وشيخ الشيوخ وأن يحلف له قيماز أنه لا يؤذيه ولا يتتبعه إذا خرج ولا يواطئ على أذاه ففعل ذلك وأصبح باب النوبي وباب العامة مغلوقين ثم فتحا ولم يترك أحد يدخل ويخرج إلا أن يعرف فكان العسكر تحت السلاح والمحال تحفظ .
فلما كانت ليلة الاثنين أخرج الوزير ابن رئيس الرؤساء وأولاده راكبين بعد العتمة إلى رباط أبي سعد الصوفي فباتوا ثم ومعهم جماعة موكلون بهم وحرست السطوح وأغلق الباب وكان لا يفتح بالنهار إلا لمهم وأصبح الناس قد سكنوا ودخل قيماز إلى الخليفة معتذرا مما فعل من غلق الأبواب وغير ذلك وهو منزعج خائف فقيل إنه لم يذكر له في ذلك شيء فخرج طيب النفس وأصر قيماز على أنه لا بد من خروج الوزير وأهله من بغداد فما زالت الرسل تتردد في ذلك إلى أن استقر الأمر أنهم يعبرون إلى الجانب الغربي .
وفي يوم السبت سابع عشر جمادى الأولى: انتهى تفسيري للقرآن في المجلس على المنبر فإني كنت أذكر في كل مجلس منه آيات من أول الختمة على الترتيب إلى أن تم فسجدت على المنبر سجدة الشكر وقلت: ما عرفت أن واعظا فسر القرآن كله في مجلس الوعظ منذ نزل القرآن فالحمد لله المنعم ، ثم ابتدأت يومئذ في أول ختمة وأنا أفسرها على الترتيب والله قادر على الإنعام بالإتمام والزيادة من فضله .
وفي بكرة يوم الخميس الثاني والعشرين من جمادى الأولى: خرج الوزير ابن رئيس الرؤساء وأولاده من رباط أبي سعد الصوفي فعبروا على الجسر ونزلوا بدار النقيب الطاهر بالحريم على شاطئ دجلة بالجانب الغربي واحترزوا هنالك بالسلاح ثم أعيدوا في آخر يوم الخميس سابع جمادى الآخرة إلى بيوتهم جاءوا على الخيل إلى تحت الرقة ونزلوا في السفن ودخلوا من باب البشرى فخرجوا إلى منازلهم .
وفي جمادى الآخرة: توفي السامري المحتسب وولي مكانه ابن الرطبي .
وفي أول يوم من رجب: حضر أرباب الدولة للهناء بباب الحجرة ثم انصرفوا إلى الدار الجديدة التي عمرها المستضيء مقابلة المخزن وحضر العلماء والمتصوفة والقراء واستدعيت مع القوم فقرءوا ختمة وأكلوا طعاما وانصرف قاضي القضاة في جماعة من الأكابر وانصرفت معه وبقي المتصوفة فباتوا على سماع وخلعت على الكل خلع وفرق عليهم مال .
وتقدم إلي بالجلوس تحت المنظرة بباب بدر فتكلمت يوم الخميس بعد العصر خامس رجب وحضر أمير المؤمنين وأخذ الناس أماكنهم من بعد صلاة الفجر واكتريت دكاكين فكان مكان كل رجل بقيراط حتى أنه اكتري دكان لثمانية عشر بثمانية عشر قيراطا ثم جاء رجل فأعطاهم ست قراريط حتى جلس معهم وكان الناس يقفون يوم مجلسي من باب بدر إلى باب العيد كأنه العيد ينظر بعضهم إلى بعض وينتظرون قطع المجلس .
وفي يوم الخميس خامس عشرين شعبان: سلمت إلي المدرسة التي كانت دارا لنظام الدين أبي نصر بن جهير وكانت قد وصلت ملكيتها إلى الجهة المسماة بنفشة فجعلتها مدرسة وسلمتها إلى أبي جعفر ابن الصباغ فبقي المفتاح معه أياما ثم استعادت منه المفتاح وسلمته إلي من غير طلب كان مني وكتب في كتاب الوقف أنها وقف على أصحاب أحمد وتقدم إلي يوم الخميس المذكور بذكر الدرس فيها فحضر قاضي القضاة وحاجب الباب وفقهاء بغداد وخلعت علي خلعة وخرج الدعاة بين يدي والخدم ووقف أهل بغداد من باب النوبي إلى باب المدرسة كما يكون في العيد وأكثر وكان على باب المدرسة ألوف والزحام على الباب فلما جلست لإلقاء الدرس عرض كتاب الوقف على قاضي القضاة وهو حاضر مع الجماعة فقرئ عليهم وحكم به وأنفذه وذكرت بعد ذلك الدرس فألقيت يومئذ دروس كثيرة من الأصول والفروع وكان يوما مشهودا لم ير مثله ودخل على قلوب أهل المذهب غم عظيم [لأنهم حسدوني] .
وتقدم ببناء دكة لنا في جامع القصر في آخر شعبان فانزعج لهذا جماعة من الأكابر وقالوا ما جرت عادة للحنابلة بدكة فبنيت وجلست فيها يوم الجمعة ثالث رمضان ودل بعض فقهاء أبي حنيفة في الإفطار بالأكل واعترضت عليه يومئذ وازدحم العوام حتى امتلأ صحن الجامع ولم يمكن للأكثرين وصول إلينا وحفظ الناس بالرجالة خوفا من فتنة وما زال الزحام على حلقتنا كل جمعة وكانت ختمتنا في المدرسة ليلة سبع وعشرين فعلق فيها من الأضواء ما لا يحصى واجتمع من الناس ألوف كثيرة فكانت ليلة مشهودة ثم عقدت المجلس يوم الأربعاء سابع شوال تحت المدرسة فاجتمع الناس من الليل وباتوا وحزر الجمع يومئذ بخمسين ألفا وكان يوما مشهودا .
وكان تتامش الأمير قد بعث إلى بلد الغراف من نهبهم وآذاهم حتى بلغني أن قوما منهم قتلوا وقوما غرقوا فجاء منهم جماعة فاستغاثوا بجامع القصر في شوال ومنعوا الخطيب وفاتت الصلاة أكثر الناس وأنكر أمير المؤمنين ما جرى وأن تتامش وزوج أخته قيماز لم يحفلا بالإنكار وأصروا على الخلاف وجرت بينهما وبين ابن العطار منابذات ثم بعث أمير المؤمنين مختارا الخادم فأصلح بينهم فلما كان الغد أظهرا الخلاف وأصرا عليه وضربوا النار في دار ابن العطار .
ثم في يوم الأربعاء خامس ذي القعدة [جاءوا] وطلبوه فنجا وبعث إلى قيماز ليحضر فأبى وبارز بالعناد وكان قد حالف الأمراء على موافقته فبان قبح المضمر فصيح في العوام للخصومة وضربت ناحية قيماز بقوارير النفط فنقب حائطا من داره إلى درب بهروز وخرج من البلد ضاحي نهار ومعه تتامش ابن أحماه وعدد يسير من الأمراء ودخل العوام إلى دار قيماز ودور الأمراء الذين هربوا معه فنهبوا وأخذوا أموالا زائدة عن الحد وأحرقوا من الدور مواضع كثيرة وبقي الخارجون من البلد في الذل والجوع وقصدوا حلة ابن مزيد ثم خرجوا عنها فطلبوا الشام وقد تفلل جمعهم وبقي معهم عدد يسير ثم جعل حاجب الباب ابن الوكيل صاحب الديوان .
وفي يوم الخميس ثالث عشرين ذي القعدة: خلع على الوزير ابن رئيس الرؤساء وأعيد إلى الوزارة وجلس في الديوان ثم خلعت عليه خلع الوزارة وأحضرنا للاستفتاء في حق قيماز وما يجب عليه من مخالفته أمير المؤمنين فكتب الفقهاء كلهم أنه مارق .
ثم جاء الخبر يوم الجمعة سابع عشرين ذي الحجة بأن قيماز توفي ودفن وأن أكثر أصحابه مرضى فأعيد سعد الشرابي إلى شغله وسلمت خزانة الشراب إليه .