الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وفاة المستضيء بأمر الله وخلافة الناصر لدين الله  

            في سنة خمس وسبعين وخمسمائة ، في ثاني ذي القعدة ، توفي الإمام المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين أبو محمد الحسن بن يوسف المستنجد - رضي الله عنه - وأمه أم ولد أرمنية تدعى غضة ، وكانت خلافته نحو تسع سنين وسبعة أشهر ، وكان مولده سنة ست وثلاثين وخمسمائة ، وكان عادلا حسن السيرة في الرعية ، كثير البذل للأموال ، غير مبالغ في أخذ ما جرت العادة بأخذه ، وكان الناس معه في أمن عام وإحسان شامل ، وطمأنينة وسكون ، لم يروا مثله ، وكان حليما ، قليل المعاقبة على الذنوب ، محبا للعفو والصفح عن المذنبين ، فعاش حميدا ومات سعيدا - رضي الله عنه - فلقد كانت أيامه كما قيل :


            كأن أيامه من حسن سيرته مواسم الحج والأعياد والجمع

            وللحيص بيص فيه:


            يا إمام الهدى علوت عن الجو     د بمال وفضة ونضار
            فوهبت الأعمار والأمن والبلـ     ـدان في ساعة مضت من نهار
            فبماذا نثني عليك وقد جا     وزت فضل البحور والأمطار
            إنما أنت معجز مستقل     خارق للعقول والأفكار
            جمعت نفسك الشريفة بالبأ     س وبالجود بين ماء ونار

            من مناقب أمير المؤمنين المستضيء بأمر الله قال ابن الجوزي : (فنادى برفع المكوس ورد المظالم، وأظهر من العدل والكرم ما لم نره في أعمارنا، وفرق مالا عظيما على الهاشميين والعلويين والعلماء والمدارس والربط، وكان دائم البذل للمال ليس له عنده وقع، ذا حلم وأناة ورأفة، ولما استخلف... خلع على أرباب الدولة وغيرهم، فحكى خياط المخزن: أنه فصل ألفا وثلاثمائة قباء إبريسم. ووزر له عضد الدين أبو الفرج بن رئيس الرؤساء إلى أن قتل في ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة . وكان ابتداء مرضه في أواخر شوال من هذه السنة وكان مرضه بالحمى ابتدأ بها في يوم عيد الفطر ، ولم يزل الأمر يتزايد به حتى استكمل في مرضه شهرا ، فمات ، رحمه الله سلخ شوال ، وله من العمر تسع وثلاثون سنة، فأرادت زوجته أن تكتم ذلك فلم يمكنها وغسل وصلي عليه من الغد . ودفن بدار النصر التي بناها، ووقعت فتنة كبيرة ببغداد ونهبت العوام دورا كثيرة ، وأموالا جزيلة ، وقد وزر له جماعة من الرؤساء ، وكان من خيار الخلفاء ، أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر ، وضع عن الناس المكوسات والضرائب ، ودرأ عنهم البدع والمصائب ، وكان حليما وقورا كريما ، فرحمه الله تعالى وبل ثراه وجعل الجنة مأواه . وبويع بالخلافة من بعده لولده الناصر .

            فلما كان يوم الجمعة الثاني والعشرين من شوال خطب لولي العهد أبي العباس أحمد بن المستضيء ، وهو الخليفة الناصر لدين الله ، وكان يوما مشهودا نثر الذهب فيه على الخطباء والمؤذنين ومن حضر ذلك ، عند ذكره على المنبر والتنويه باسمه في العشر .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية