الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث

            في سنة خمس وسبعين وخمسمائة هبت ريح سوداء مظلمة بالديار الجزرية والعراق وغيرها ، وعمت أكثر البلاد من الظهر إلى أن مضى من الليل ربعه ، وبقيت الدنيا مظلمة يكاد الإنسان لا يبصر صاحبه ، وكنت حينئذ بالموصل ، فصلينا العصر والمغرب والعشاء الآخرة على الظن والتخمين ، وأقبل الناس على التضرع والتوبة والاستغفار ، وظنوا أن القيامة قد قامت ، فلما مضى مقدار ربع الليل زال ذلك الظلام والعتمة التي غطت السماء ، فنظرنا فرأينا النجوم ، فعلمنا مقدار ما مضى من الليل ، لأن الظلام لم يزدد بدخول الليل ، وكان كل من يصل من جهة من الجهات يخبر بمثل ذلك .

            وفيها ، في ذي القعدة ، نزل شمس الدولة أخو صلاح الدين عن بعلبك ، وطلب عوضا عنها الإسكندرية ، فأجابه صلاح الدين إلى ذلك وأقطع بعلبك لعز الدين فرخشاه ابن أخيه ، فسار إليها ، وجمع أصحابه ، وأغار على بلاد الفرنج ، حتى وصل إلى قلعة صفد ، وهي مطلة على طبرية ، فسبى وأسر وغنم وخرب وفعل في الفرنج أفاعيل عظيمة .

            وأما شمس الدولة فإنه سار إلى مصر وأقام بالإسكندرية ، وإذا أراد الله أن يقبض رجلا بأرض جعل له إليها حاجة ، فإنه أقام بها إلى أن مات بها .

            وفيها قارب الجامع الذي بناه مجاهد الدين قايماز بظاهر الموصل من جهة باب الجسر الفراغ ، وأقيمت فيه الصلوات الخمس والجمعة ، وهو من أحسن الجوامع . وفيها حج القاضي الفاضل من دمشق وعاد إلى مصر ، فقاسى في الطريق أهوالا ، ولقي برحا وتعبا وكلالا ، وكان في العام الماضي قد حج من مصر وعاد إلى الشام ولكن كان أمره فيه أسهل من هذا العام .

            وفيها كانت زلزلة عظيمة انهدم بسببها قلاع وقرى ، ومات خلق كثير فيها من الورى ، وسقط من رءوس الجبال صخور كبار ، وصادمت بين الجبال في البراري والقفار ، مع بعد ما بين الجبال من الأقطار . وفيها أصاب الناس غلاء شديد وفناء شريد وجهد جهيد ، فمات خلق كثير من الخلائق بهذا وهذا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية