الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث

            كان المنجمون قديما وحديثا قد حكموا أن هذه السنة التاسع والعشرين من جمادى الآخرة تجتمع الكواكب الخمسة في برج الميزان ، ويحدث باقترانها رياح شديدة ، وتراب يهلك العباد ويخرب البلاد ، فلما دخلت هذه السنة لم يكن لذلك صحة ، ولم يهب من الرياح شيء البتة ، حتى إن غلال الحنطة والشعير تأخر نجازها لعدم الهواء الذي يذري به الفلاحون ، فأكذب الله أحدوثة المنجمين وأخزاهم . وذكر العماد الكاتب أن ناسا من الجهلة تأهبوا لذلك بحفر مغارات ومدخلات وأسراب في الأرض خوفا من ذلك . قال : فلما كانت تلك الليلة التي أشاروا إليها وأجمعوا عليها لم ير ليلة مثلها في ركودها وركونها وهدوئها وهدونها ، وكذا ذكر غير واحد من الناس ، وقد نظم الشعراء في تكذيب المنجمين في هذه الواقعة وغيرها أشعارا حسنة ، فمن ذلك قول عيسى بن مودود :


            مزق التقويم والزي ج فقد بان الخفاء     إنما التقويم والزيج
            هباء وهواء     قلت للسبعة إبرا
            م ومنع وعطاء     ومتى ينزلن في المي
            زان يستولي الهواء     ويثير الرمل حتى
            يمتلي منه الفضاء     ويعم الأرض خسف
            وخراب وبلاء     ويصير القاع كالق
            ف وكالطود العراء     وحكمتم فأبى الحا
            كم إلا ما يشاء     ما أتى الشرع ولا جا
            ءت بهذا الأنبياء     فبقيتم ضحكة يض
            حك منها العلماء     حسبكم خزيا وعارا
            ما يقول الشعراء     ثم ما أطمعكم في ال
            حكم إلا الأمراء     ليت إذ لم يحسنوا في الد
            ين ظنا ما أساءوا     فعلى اصطرلاب بطلي
            موس والزيج العفاء     وعليه الخزي ما جا
            دت على الأرض السماء

            ومما قيل فيه قول أبي الغنائم محمد بن المعلم:


            قل لأبي الفضل قول معترف     مضى جمادى وجاءنا رجب
            وما جرت زعزعا كما حكموا     ولا بدا كوكب له ذنب
            كلا ولا أظلمت ذكاء ولا     أبدت إذن في قرانها الشهب
            يقضي عليها من ليس يعلم ما     يقضى عليه هذا هو العجب
            قد بان كذب المنجمين وفي     أي مقال قالوا فما كذبوا؟!

            التالي السابق


            الخدمات العلمية