عود صلاح الدين إلى عسكره ودخوله إلى الفرنج
لما أتت صلاح الدين البشارة بهزيمة الاسبتارية والداوية ، وقتل من قتل منهم ، وأسر من أسر ، عاد عن الكرك إلى العسكر الذي مع ولده الملك الأفضل ، وقد تلاحقت سائر الأمداد والعساكر ، واجتمع بهم ، وساروا جميعا .
وعرض العسكر ، فبلغت عدتهم اثني عشر ألف فارس ممن له الأقطاع والجامكية ، سوى المتطوعة ، فعبأ عسكره قلبا وجناحين ، وميمنة وميسرة وجالسية وساقة ، وعرف كل منهم موضعه وموقفه ، وأمره بملازمته . وسار على تعبئة ، فنزل بالأقحوانة بقرب طبرية ، وكان القمص قد انتمى إلى صلاح الدين ، كما ذكرنا ، وكتبه متصلة إليه يعده النصرة ، ويمنيه المعاضدة ، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا .
فلما رأى الفرنج اجتماع العساكر الإسلامية ، وتصميم العزم على قصد بلادهم ، أرسلوا إلى القمص البطرك والقسوس والرهبان ، وكثيرا من الفرسان ، فأنكروا عليه انتماءه إلى صلاح الدين ، وقالوا له : لا شك أنك أسلمت ، وإلا لم تصبر على ما فعل المسلمون أمس بالفرنج ، يقتلون الداوية والاسبتارية ، ويأسرونهم ، ويجتازون بهم عليك ، وأنت لا تنكر ذلك ولا تمنع عنه .
ووافقهم على ذلك من عنده من عسكر طبرية وطرابلس ، وتهدده البطرك أنه يحرمه ، ويفسخ نكاح زوجته ، إلى غير ذلك من التهديد .
فلما رأى القمص شدة الأمر عليه خاف ، فاعتذر وتنصل وتاب ، فقبلوا عذره ، وغفروا زلته ، وطلبوا منه الموافقة على المسلمين ، والمؤازرة على حفظ بلادهم ، فأجابهم إلى المصالحة والانضمام إليهم ، والاجتماع معهم .
ودخل معهم قومص أطرابلس الغادر وإبرنس الكرك الفاجر ، وجاءوا بقضهم وقضيضهم وأهل أوجهم وحضيضهم ، واستصحبوا معهم صليب الصلبوت يحمله منهم عباد الطاغوت ، وضلال الناسوت واللاهوت ، في خلق لا يعلم عددهم إلا الله تعالى ، يقال : كانوا خمسين ألفا . وقيل : ثلاثا وستين ألفا .