وقعة ثانية للغزاة المتطوعة
لما وصل صلاح الدين إلى اليزك وقد فاتته تلك الوقعة أقام عندهم في خيمة صغيرة ، ينتظر عودة الفرنج لينتقم منهم ، ويأخذ بثأر من قتلوه من المسلمين .
فركب في بعض الأيام في عدة يسيرة على أن ينظر إلى مخيم الفرنج من الجبل ليعمل بمقتضى ما يشاهده ، وظن من هناك من غزاة العجم والعرب المتطوعة أنه على قصد المصاف والحرب ، فساروا مجدين وأوغلوا في أرض العدو مبعدين ، وفارقوا الحزم ، وخلفوا السلطان وراء ظهورهم ، وقاربوا الفرنج .
فأرسل صلاح الدين عدة من الأمراء يردونهم ويحمونهم إلى أن يخرجوا ، فلم يسمعوا ولم يقبلوا .
وكان الفرنج قد اعتقدوا أن وراءهم كمينا ، فلم يقدموا عليهم ، فأرسلوا من ينظر في حقيقة الأمر ، فأتاهم الخبر أنهم منقطعون عن المسلمين ، وليس وراءهم من يخاف ، فحملت الفرنج عليهم حملة رجل واحد فقاتلوهم فلم يلبثوا أن أناموهم ، وقتل معهم جماعة من المعروفين وشق على صلاح الدين والمسلمين ما جرى عليهم وكان ذلك بتفريطهم في حق أنفسهم ، رحمهم الله ورضي عنهم .
وكانت هذه الوقعة تاسع جمادى الأولى فلما رأى صلاح الدين ذلك انحدر من الجبل إليهم في عسكره ، فحملوا على الفرنج فألقوهم إلى الجسر وقد أخذوا طريقهم ، فألقوا أنفسهم في الماء ، فغرق منهم نحو مائة دارع سوى من قتل .
وعزم السلطان على مصابرتهم ومحاصرتهم ، فتسامع الناس فقصدوه من كل ناحية واجتمع معه خلق كثير ، فلما رأى الفرنج ذلك عادوا إلى مدينة صور ، فلما عادوا إليها سار صلاح الدين إلى تبنين ، ثم إلى عكا ينظر حالها ثم عاد إلى العسكر والمخيم .