ومن ذلك كتاب يقول فيه : إنما أتينا من قبل أنفسنا ولو صدقناه لعجل لنا عواقب صدقنا ولو أطعناه لما عاقبنا بعدونا ولو فعلنا ما نقدر عليه من أمره لفعل لنا ما لا نقدر عليه إلا به فلا يستخصم أحد إلا عمله ولا يلم إلا نفسه ولا يرج إلا ربه ولا تنتظر العساكر أن تكثر ولا الأموال أن تحصر ولا فلان الذي يعتمد عليه أن يقاتل ولا فلان الذي ينتظر أن يسير ، فكل هذه مشاغل عن الله ليس النصر بها ولا نأمن أن يكلنا الله إليها ، والنصر به واللطف منه والعادة الجميلة له ونستغفر الله تعالى من ذنوبنا فلولا أنها تسد طريق دعائنا لكان جواب دعائنا قد نزل وفيض دموع الخاشعين قد غسل ولكن في الطريق عائق ؛ خار الله لمولانا في القضاء السابق واللاحق .
وفي كتاب آخر يتألم فيه لما عند السلطان من الضعف في جسمه بسبب ما حمل على قلبه مما هو فيه من الشدائد - أثابه الله تعالى - بقوله فيه وما في نفس الملوك شائنة إلا بقية هذا الضعف الذي بجسم مولانا فإنه بقلوبنا ونفديه بأسماعنا وأبصارنا .
بنا معشر الخدام ما بك من أذى وإن أشفقوا مما أقول فبي وحدي
وقد أورد الشيخ شهاب الدين صاحب " الروضتين " هاهنا كتبا عدة من الفاضل إلى السلطان فيها فصاحة وبلاغة ومواعظ وتحضيض على الجهاد يعجز عن مثلها شجعان وهي جديرة أن تكتب بماء الذهب على قلائد العقيان فرحمه الله من إنسان ما أفصحه ، ومن وزير ما كان أنصحه ، ومن عقل ما كان أرجحه .وكتب القاضي الفاضل كتابا بليغا عن السلطان إلى ملك الغرب أمير المسلمين وسلطان جيش الموحدين يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن يستنجد به في فمنه عبارة طويلة فصيحة بليغة مليحة حكاها الشيخ شهاب الدين بطولها وحسنها وبعث السلطان صلاح الدين مع ذلك بهدية سنية من التحف والألطاف وذلك كله صحبة الأمير الكبير شمس الدين أبي الحزم عبد الرحمن بن منقذ وكان ابتداء سيره في البحر في ثامن ذي القعدة من هذه السنة فدخل على سلطان المغرب في العشرين من ذي الحجة فأقام عنده إلى عاشوراء من المحرم من سنة ثمان وثمانين ولم يفد هذا الإرسال شيئا ; لأن السلطان تغضب إذ لم يلقب بأمير المؤمنين وكانت إشارة الفاضل إلى عدم الإرسال إليه والتعويل عليه ، ولكن وقع ما وقع بمشيئة الله تعالى . إرسال مراكب في البحر تكون عونا للمسلمين على المراكب الإفرنجية