مسير صلاح الدين إلى القدس
لما رأى صلاح الدين أن الشتاء قد هجم ، والأمطار متوالية متتابعة ، والناس منها في ضنك وحرج ، ومن شدة البرد ولبس السلاح والسهر في تعب دائم ، وكان كثير من العساكر قد طال بيكارها ، فأذن لهم في العود إلى بلادهم للاستراحة والإراحة .
وسار هو إلى البيت المقدس فيمن بقي معه ، فنزلوا جميعا داخل البلد فاستراحوا مما كانوا فيه ، ونزل هو بدار الأقسا مجاور بيعة قمامة ، وقدم إليه عسكر من مصر مقدمهم الأمير أبو الهيجاء السمين ، فقويت نفوس المسلمين بالقدس .
وسار الفرنج من الرملة إلى النطرون ثالث ذي الحجة ، على عزم قصد القدس ، فكانت بينهم وبين يزك المسلمين وقعات ، أسر المسلمون في وقعة منها نيفا وخمسين فارسا من مشهوري الفرنج وشجعانهم ، وكان صلاح الدين لما دخل القدس أمر بعمارة سوره ، وتجديد ما رث منه ، فأحكم الموضع الذي ملك البلد منه ، وأتقنه ، وأمر بحفر خندق خارج الفصيل ، وسلم كل برج إلى أمير يتولى عمله ، فعمل ولده الأفضل من ناحية باب عمود إلى باب الرحمة ، وأرسل أتابك عز الدين مسعود ، صاحب الموصل ، جماعة من الحصاصين ، ممن له في قطع الصخر اليد الطولى ، فعملوا له هناك برجا وبدنة ، وكذلك جميع الأمراء .
ثم إن الحجارة قلت عند العتالين ، فكان صلاح الدين رحمه الله ، يركب وينقل الحجارة بنفسه على دابته من الأمكنة البعيدة ، فيقتدي به العسكر فكان يجمع عنده من العمالين في اليوم الواحد ما يعملونه في عدة أيام .