الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            عدة حوادث

            في سنة إحدى وستمائة ، في يوم الجمعة رابع عشر جمادى الآخرة ، قطعت خطبة ولي العهد ، وأظهر خط قرئ بدار الوزير نصير الدين ناصر بن مهدي الرازي وإذا هو خط ولي العهد الأمير أبي نصر ابن الخليفة إلى أبيه الناصر لدين الله أمير المؤمنين ، يتضمن العجز عن القيام بولاية العهد ، ويطلب الإقالة ، وشهد عدلان أنه خطه ، وأن الخليفة أقاله ، وعمل بذلك محضر شهد فيه القضاة والعدول والفقهاء .

            وولى العهد ولده الآخر عليا ، فمات علي عن قريب ، فعاد الأمر إلى الظاهر ، فبويع له بالخلافة بعد أبيه الناصر ، كما سيأتي في سنة ثلاث وعشرين . وفي هذه السنة ولدت امرأة ببغداد ولدا له رأسان وأربع أرجل ويدان ، ومات في يومه .

            وفي هذه السنة وقع الثلج بمدينة هراة أسبوعا كاملا ، فلما سكن جاء بعده سيل من الجبل من باب سرا ، خرب كثيرا من البلد ، ورمى من حصنه قطعة عظيمة ، وجاء بعده برد شديد أهلك الثمار ، فلم يكن بها تلك السنة شيء إلا اليسير .

            وفيها ، في شعبان ، خرج عسكر من الغورية مقدمهم الأمير زنكي بن مسعود إلى مدينة مرو ، فلقيهم نائب خوارزم شاه بمدينة سرخس ، وهو الأمير جقر ، وكمن لهم كمينا ، فلما وصلوا إليه هزمهم ، وأخذ وجوه الغورية أسرى ، فلم يفلت منهم إلا القليل ، وأخذ أميرهم زنكي أسيرا ، فقتل صبرا ، وعلقت رءسهم بمرو أياما .

            وفيها ، في ذي القعدة ، سار الأمير عماد الدين عمر بن الحسين الغوري ، صاحب بلخ ، إلى مدينة ترمذ ، وهي للأتراك الخطا ، فافتتحها عنوة ، وجعل بها ولده الأكبر ، وقتل من بها من الخطا ، ونقل العلويين منها إلى [ بلخ ] ، وصارت ترمذ دار إسلام ، وهي من أمنع الحصون وأقواها . فيها وقع حريق عظيم بدار الخلافة في خزائن السلاح ، فاحترق شيء كثير من السلاح والمتعة والمساكن ما يقارب قيمته أربعة آلاف ألف دينار ، وشاع خبر هذا الحريق في الناس ، فأرسلت الملوك من سائر الأقطار هدايا ; أسلحة إلى الخليفة عوضا مما فات شيئا كثيرا ؛ ولله الحمد . واتفق في هذه السنة أن رجلا ببغداد نزل إلى دجلة يسبح فيها ، وأعطى ثيابه لغلامه فغرق في الماء ، فوجد في ورقة بعمامته هذه الأبيات :


            يا أيها الناس كان لي أمل قصر بي عن بلوغه الأجل     فليتق الله ربه رجل
            أمكنه في زمانه العمل     ما أنا وحدي نقلت حيث ترى
            كل إلى مثله سينتقل

            التالي السابق


            الخدمات العلمية