وقال : إنه جمع شد بضم الشين كود وأود وقيل جمع شد بفتحها وأيا ما كان فهو من الشدة أي القوة أو الارتفاع من شد النهار إذا ارتفع ومنه قول ابن الأنباري عنترة .
عهدي به شد النهار كأنما خضب البنان ورأسه بالعظلم
. والمراد ببلوغ الأشد عند وجماعة بلوغ الحلم وقيل : أن يبلغ ثماني عشرة سنة وقال الشعبي : أن يبلغ ثلاثين إلا أن الآية منسوخة بقوله تعالى : السدي حتى إذا بلغوا النكاح وقيل : غير ذلك وقد تقدم الخلاف في زمن دفع مال اليتيم إليه وأشبعنا الكلام في تحقيق الحق في ذلك فتذكر وأوفوا أي أتموا الكيل أي المكيل فهو مصدر بمعنى اسم المفعول والميزان كذلك كما قال وجوز أن يكون هناك مضاف محذوف أي مكيل الكيل وموزون الميزان أبو البقاء بالقسط أي بالعدل وهو في موضع الحال من ضمير أوفوا أي مقسطين وقال : يجوز أن يكون حالا من المفعول أي تاما ولعل الإتيان بهذه الحال للتأكيد . أبو البقاء
وفي التفسير الكبير فإن قيل : إيفاء الكيل والميزان هو عين القسط فما الفائدة من التكرير قلنا : أمر الله تعالى المعطي بإيفاء ذي الحق حقه من غير نقصان وأمر صاحب الحق بأخذ حقه من غير طلب الزيادة فتدبر .
لا نكلف نفسا إلا وسعها إلا ما يسعها ولا يعسر عليها والجملة مستأنفة جيء بها عقيب الأمر بإيفاء الكيل والميزان بالعدل للترخيص فيما خرج عن الطاقة لما أن في مراعاة ذلك كما هو حرجا مع كثرة [ ص: 56 ] وقوعه فكأنه قيل : عليكم بما في وسعكم في هذا الأمر وما وراءه معفو عنكم وجوز أن يكون جيء بها لتهوين أمر ما تقدم من التكليفات ليقبلوا عليها كأنه قيل : جميع ما كلفناكم به ممكن غير شاق ونحن لا نكلف ما لا يطاق وإذا قلتم قولا في حكومة أو شهادة أو نحوهما فاعدلوا فيه وقولوا الحق ولو كان المقول له أو عليه ذا قربى أي صاحب قرابة منكم وبعهد الله أوفوا أي ما عهد إليكم من الأمور المعدودة أو أي عهد كان فيدخل فيه ما ذكر دخولا أوليا أو ما عاهدتم الله تعالى عليه من أيمانكم ونذوركم والجار والمجرور متعلق بما بعده وتقديمه للاعتناء بشأنه ذلكم أي ما فصل من التكاليف الجليلة وصاكم به أمركم به أمرا مؤكدا لعلكم تذكرون (152) ما في تضاعيفه وتعملون بمقتضاه وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن ( تذكرون ) بتخفيف الذال والباقون بالتشديد في كل القرآن وهما بمعنى واحد . عاصم
وختمت الآية الأولى بقوله سبحانه : لعلكم تعقلون وهذه بقوله تعالى : لعلكم تذكرون لأن القوم كانوا مستمرين على الشرك وقتل الأولاد وقربان الزنا وقتل النفس المحرمة بغير حق غير مستنكفين ولا عاقلين قبحها فنهاهم سبحانه لعلهم يعقلون قبحها فيستنكفوا عنها ويتركوها وأما حفظ أموال اليتامى عليهم وإيفاء الكيل والعدل في القول والوفاء بالعهد فكانوا يفعلونه ويفتخرون بالاتصاف به فأمرهم الله تعالى بذلك لعلهم يذكرون إن عرض لهم نسيان قاله القطب الرازي : ثم قال فإن قلت إحسان الوالدين من قبيل الثاني أيضا فكيف ذكر من الأول قلت : أعظم النعم على الإنسان نعمة الله تعالى ويتلوها نعمة الوالدين لأنهما المؤثران في الظاهر ومنهما نعمة التربية والحفظ عن الهلاك في وقت الصغر فلما نهى عن الكفر بالله تعالى نهى بعده عن الكفران في نعمة الأبوين تنبيها على أن القوم لما لم يرتكبوا الكفران فبطريق الأولى أن لا يرتكبوا الكفر .
وقال الإمام : السبب في ختم كل آية بما ختمت أن التكاليف الخمسة المذكورة في الآية الأولى ظاهرة جلية فوجب تعقلها وتفهمها والتكاليف الأربعة المذكورة في هذه الآية أمور خفية غامضة لا بد فيها من الاجتهاد والفكر الكثير حتى يقف على موضع الاعتدال وهو التذكر . انتهى . ويمكن أن يقال : إن أكثر التكليفات الأول أدي بصيغة النهي وهو في معنى المنع والمرء حريص على ما منع فناسب أن يعلل الإيصاء بذلك بما فيه إيماء إلى معنى المنع والحبس وهذا بخلاف التكليفات الأخر فإن أكثرها قد أدي بصيغة الأمر وليس المنع فيه ظاهرا كما في النهي فيكون تأكيد الطلب والمبالغة فيه ليستمر عليه ويتذكر إذا نسي فليتدبر .