فدلاهما بغرور وهو أنه شغلهما باستيفاء اللذات حتى صارا مستغرقين بها فنسي النهي كما يشير إليه قوله [ ص: 101 ] تعالى فنسي ولم نجد له عزما وجعل العتاب الآتي على ترك التحفظ فتدبر فلما ذاقا الشجرة أي أكلا منها أكلا يسيرا بدت لهما سوآتهما قال الكلبي : تهافت عنهما لباسهما فأبصر كل منهما عورة صاحبه فاستحيا وطفقا أخذا وجعلا فهو من أفعال الشروع وكسر الفاء فيه أفصح من فتحها وبه قرأ أبو السمال ( يخصفان ) أي يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة وأصل معنى الخصف الخرز في طاقات النعال ونحوها بإلصاق بعضها ببعض وقيل أصله الضم والجمع عليهما أي على سوآتهما أو على بدنهما ففي الكلام مضاف مقدر وقيل : الضمير عائد على سوآتهما .
من ورق الجنة وكان ذلك بعض ورق التين على ما روي عن وقيل : الموز وقرأ قتادة ( يخصفان ) من أخصف وأصله خصف إلا أنه كما قال الزهري الجاربردي نقل إلى أخصف للتعدية وضمن الفعل لذلك معنى التصيير فصار الفاعل في المعنى مفعولا للتصيير علا لأصل الفعل فيكون التقدير يخصفان أنفسهما أي يجعلان أنفسهما خاصفين عليهما من ورق الجنة فحذف مفعول التصيير وجوز بعضهم كون خصف وأخصف بمعنى وقرأ يخصفان بفتح الياء وكسر الخاء وتشديد الصاد من الافتعال وأصله يختصفان سكنت التاء وأدغمت ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين وقرأ يعقوب بفتحها وقرئ ( يخصفان ) من خصف المشدد بفتح الخاء وقد ضمت إتباعا للياء وهي قراءة عسرة النطق الحسن وناداهما ربهما بطريق العتاب والتوبيخ ألم أنهكما تفسير للنداء فلا محل له من الإعراب أو معمول لقول محذوف أي وقال أو قائلا : ألم أنهكما عن تلكما الشجرة إشارة إلى الشجرة التي نهيا عن قربانها والتثنية لتثنية المخاطب .
وأقل لكما عطف على ( أنهكما ) أي ألم أقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين (22) أي ظاهر العداوة وهذا على ما قيل : عتاب وتوبيخ على الاغترار بقول العدو كما أن الأول عتاب على مخالفة النهي ولم يحك هذا القول ها هنا وقد حكي في سورة طه بقوله سبحانه : إن هذا عدو لك ولزوجك الآية و ( لكما ) متعلق بعدو لما فيه من معنى الفعل أو بمحذوف وقع حالا منه .
واستدل بعضهم بالآية على أن مطلق النهي للتحريم لما فيها من اللوم الشديد مع الندم والاستغفار المفهوم مما يأتي والأكثرون على أن النهي هنا للتنزيه وندمهما واستغفارهما على ترك الأولى وهو في نظرهما عظيم وقد يلام عليه أشد اللوم إذا كان فاعله من المقربين.