وأخرج عن ابن عساكر سليمان بن صرد أن أبا لوط عليه السلام عم إبراهيم عليه السلام وقيل : إن لوطا كان ابن خالة إبراهيم وكانت سارة زوجته أخت لوط وكان في أرض بابل من العراق مع إبراهيم فهاجر [ ص: 169 ] إلى الشام ونزل فلسطين وأنزل لوطا الأردن وهو كرة بالشام فأرسله الله تعالى إلى أهل سدوم وهي بلدة بحمص .
وأخرج إسحاق بن بشر عن وابن عساكر قال : أرسل ابن عباس لوط إلى المؤتفكات وكانت قرى لوط أربع مدائن سدوم وأمورا وعامورا وصبوير وكان في كل قرية مائة ألف مقاتل وكانت أعظم مدائنهم سدوم وكان لوط يسكنها وهي من بلاد الشام ومن فلسطين مسيرة يوم وليلة وهذا اللفظ على ما قال اسم أعجمي غير مشتق من لطت الحوض إذا ألزقت عليه الطين ويقال : هذا ألوط بقلبي من ذلك أي ألصق به ولاط الشيء أخفاه وقوله تعالى : الزجاج إذ قال لقومه ظرف لأرسلنا كما قال غير واحد واعترض بأن الإرسال قبل وقت القول لا فيه كما تقتضيه هذه الظرفية ودفع بأنه يعتبر الظرف ممتدا كما يقال زيد في أرض الروم فهو ظرف غير حقيقي يعتبر وقوع المظروف في بعض أجزائه كما قرره القطب وجوز أن يكون ( لوطا ) منصوبا باذكر محذوفا فيكون في عطف القصة على القصة و إذ بدل من لوط بدل اشتمال بناء على أنها تلزم الظرفية وقال : إنه ظرف الرسالة محذوفا أي واذكر رسالة أبو البقاء لوط إذ قال أتأتون الفاحشة استفهام على سبيل التوبيخ والتقريع أي أتفعلون تلك الفعلة التي بلغت أقصى القبح وغايته ما سبقكم بها من أحد من العالمين (80) أي ما عملها أحد قبلكم في زمن من الأزمان فالباء للتعدية كما في الكشاف من قولك : سبقته بالكرة إذا ضربتها قبله ومنه ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم عكاشة وتعقبه سبقك بها بأن معنى التعدية هنا قلق جدا لأن الباء المعدية في الفعل المعدى إلى واحد تجعل المفعول الأول يفعل ذلك الفعل بما دخلت عليه الباء فهي كالهمزة فإذا قلت صككت الحجر بالحجر كان معناه أصككت الحجر الحجر أي جعلت الحجر يصك الحجر وكذلك دفعت زيدا بعمرو عن خالد معناه أدفعت زيدا عمرا عن خالد أي جعلت زيدا يدفع عمرا عن خالد فللمفعول الأول تأثير على الثاني ولا يصح هذا المعنى فيما ذكر إلا بتكلف فالظاهر أن الباء للمصاحبة أي ما سبقكم أحد مصاحبا وملتبسا بها ودفع أن المعنى على التعدية ومعنى سبقته بالكرة أسبقت كرتي كرته لأن السبق بينهما لا بين الشخصين أو الضربتين وكذا في الآية ومثله يفهم من غير تكلف وقال القطب أبو حيان : إن المعنى سبقت ضربه الكرة بضربي الكرة أي جعلت ضربي الكرة سابقا على ضربه الكرة ثم استظهر جعل الباء للظرفية لعدم احتياجه إلى ما يحتاجه جعلها للتعدية أي ما سبقكم في فعل الفاحشة أحد ولعل الأمر كما قال و ( من ) الأولى صلة لتأكيد النفي وإفادة معنى الاستغراق والثانية للتبعيض والجملة مستأنفة استئنافا نحويا مسوقة لتأكيد النكير وتشديد التقريع والتوبيخ وجوز أن يكون بيانيا كأنه قيل : لم لا نأتيها فقال : ما سبقكم بها أحد فلا تفعلوا ما لم تسبقوا إليه من المنكرات لأنه أشد ولا يتوهم أن سبب إنكار الفاحشة كونها مخترعة ولولاه لما أنكرت إذ لا مجال له بعد كونها فاحشة ووجه كون هذه الجملة مؤكدة للنكير أنها مؤذنة باختراع السوء ولا شك أن اختراعه أسوأ إذ لا مجال للاعتذار عنه كما اعتذروا عن عبادتهم الأصنام مثلا بقولهم : ( إنا وجدنا آباءنا ) . الرازي
وجوز أبو البقاء كون الجملة في موضع الحال من المفعول أو الفاعل والنيسابوري جوز كونها صفة للفاحشة [ ص: 170 ] على حد :
ولقد أمر على اللئيم يسبني
ورد بأن الفاحشة هنا متعينة دون اللئيم وكيفما كان فالمراد من نفي سبق أحد بها إياهم كونهم سابقين بها كل أحد مما عداهم من العالمين لا مساواتهم الغير بها فقد أخرج وغيره عن البيهقي عمرو بن دينار قال ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط والذي حملهم على ذلك كما أخرج وغيره عن ابن عساكر رضي الله تعالى عنهما أنهم كانت لهم ثمار في منازلهم وحوائطهم وثمار خارجة على ظهر الطريق وأنهم أصابهم قحط وقلة من الثمار فقال بعضهم لبعض : إنكم إن منعتم ثماركم هذه الظاهرة من أبناء السبيل كان لكم فيها عيش قالوا : بأي شيء نمنعها قالوا : اجعلوا سنتكم أن تنكحوا من وجدتم في بلادكم غريبا وتغرموه أربعة دراهم فإن الناس لا يظهرون ببلادكم إذا فعلتم ذلك ففعلوه واستحكم فيهم وفي بعض الطرق أن إبليس عليه اللعنة جاءهم عند ذكرهم ما ذكروا في هيئة صبي أجمل صبي رآه الناس فدعاهم إلى نفسه فنكحوه ثم جرؤوا على ذلك وجاء في رواية ابن عباس عن ابن أبي الدنيا أن قوم طاوس لوط إنما أتوا النساء في أدبارهن ثم أتوا الرجال وفي قوله : من العالمين دون من الناس مبالغة لا تخفى .