زجرت لها طير الشمال فإن يكن هواك الذي تهوى يصبك اجتنابها
ثم إنهم سموا الشؤم طيرا وطائرا والتشاؤم تطيرا، وقد يطلقون الطائر على الحظ والنصيب خيرا أو شرا حتى قيل: إن أصل التطير تفريق المال وتطييره بين القوم، فيطير لكل أحد نصيبه من خير أو شر ثم غلب في الشر. وفي الآية إغراق في وصفهم بالغباوة والقساوة، فإن الشدائد ترقق القلوب وتذلل العرائك وتزيل التماسك لا سيما بعد مشاهدة الآيات، وقد كانوا بحيث لم يؤثر فيهم شيء منها بل ازدادوا عتوا وعنادا، وتعريف الحسنة وذكرها بأداة التحقيق كما قال غير واحد لكثرة وقوعها وتعلق الإرادة بأحداثها بالذات؛ لأن العناية الإلهية اقتضت سبق الرحمة وعموم النعمة قبل حصول الأعمال، وتنكير السيئة وذكرها بأداة الشك لندورها وعدم تعلق الإرادة بأحداثها إلا بالتبع؛ فإن النقمة بمقتضى تلك العناية إنما تستحق بالأعمال.بين الحسنة بالخصب والرخاء، ثم قال في تعليل ما ذكر: لأن جنس الحسنة وقوعه كالواجب لكثرته واتساعه، وأما السيئة فلا تقع إلا في الندرة، ولا يقع إلا شيء منها. وقال صاحب الكشاف: ذلك إشارة إلى أن التعريف للعهد الخارجي التقريري بدليل أنه ذكر في مقابلة قوله سبحانه: والزمخشري ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ، وقوله: لأن الجنس إلخ أي: جنس الخصب والرخاء وفيه مبالغة. أي أنه لكثرة الوقوع كأن الجنس كله واجب الوقوع، ولهذا لا يزال يتكاثر حتى يستغرق الجنس. وقوله: وأما السيئة إلخ في مقابلة ذلك دليل بين على إرادة هذا المعنى فلا تخالف بين كلاميه، ولم يرد بالجنس العهد الذهني وهذا مراد صاحب المفتاح وبه يندفع ما توهمه صاحب الإيضاح. انتهى.
وفيه تعريض بشيخه الطيبي حيث حمل الجنس على العهد الذهني وقال ما قال، والبحث طويل الذيل فليطلب من شروح المفتاح وشرح التلخيص للعلامة الثاني وحواشيه، وقوله سبحانه وتعالى: ألا إنما طائرهم عند الله استئناف مسوق من قبله تعالى لرد مقالتهم الباطلة وتحقيق للحق في ذلك، وتصديره بكلمة التنبيه لإبراز كمال العناية بمضمونه أي: ليس شؤمهم إلا عند الله أي: من قبله وحكمه كما قال وقال ابن عباس، المعنى: ليس الشؤم الذي يلحقهم إلا الذي وعدوا به من العقاب عنده لا ما ينالهم في الدنيا، وقال الزجاج: المعنى: ألا إن ما تشاءموا محفوظ عليهم حتى يجازيهم الله تعالى به يوم القيامة، وفسر بعضهم الطائر هنا بالحظ أي: إنما حظهم وما طار إليهم من القضاء والقدر بسبب شؤمهم عند الله، وقرأ الحسن: (إنما طيرهم) وهو اسم جمع طائر على الصحيح؛ لأنه على أوزان المفردات، وقال الحسن: هو جمع له، وروي عن الأخفش: قطرب أن الطير يكون واحدا وجمعا وكذا الطائر، وأنشد ابن الأعرابي:
كأنه تهتان يوم ماطر على رؤوس كرؤوس الطائر