ولما سقط في أيديهم أي: ندموا كما روي عن رضي الله تعالى عنهما، وجعله غير واحد كناية عن شدة الندم وغايته؛ لأن النادم إذا اشتد ندمه عض يده غما فتصير يده مسقوطا فيها، وأصله سقط فوه أو عضه في يده أي: وقع ثم حذف الفاعل وبني الفعل للمفعول به فصار سقط في يده كقولك: مر بزيد، وقرأ ابن عباس ابن السميفع: (سقط) بالبناء للفاعل على الأصل، واليد على ما ذكر حقيقة، وقال معناه سقط الندم في أنفسهم وجعل [ ص: 65 ] الزجاج: القطب ذلك من باب الاستعارة التمثيلية; حيث شبه حال الندم في النفس بحال الشيء في اليد في التحقيق والظهور، ثم عبر عنه بالسقوط في اليد، ولا لطف للاستعارة التصريحية فيه، وقال إنه يقال لما يحصل وإن لم يكن في اليد: وقع في يده، وحصل في يده مكروه، فيشبه ما يحصل في النفس وفي القلب بما يرى بالعين، وخصت اليد لأن مباشرة الأمور بها كقوله تعالى: الواحدي: ذلك بما قدمت يداك أو لأن الندم يظهر أثره بعد حصوله في القلب في اليد لعضها والضرب بها على أختها ونحو ذلك; فقد قال سبحانه في النادم: فأصبح يقلب كفيه ويوم يعض الظالم .
وقيل: من عادة النادم أن يطأطئ رأسه ويضع ذقنه على يده بحيث لو أزالها سقط على وجهه، فكأن اليد مسقوط فيها، و (في) بمعنى على، وقيل: هو من السقاط وهو كثرة الخطأ، وقيل: من السقيط وهو ما يغشى الأرض بالغدوات شبه الثلج لا ثبات له، فهو مثل لمن خسر في عاقبته ولم يحصل على طائل من سعيه، وعد بعضهم سقط من الأفعال التي لا تتصرف كنعم وبئس.
وقرأ (أسقط) على أنه رباعي مجهول، وهي لغة نقلها ابن أبي عبلة: الفراء وذكر بعضهم أن هذا التركيب لم يسمع قبل نزول القرآن، ولم تعرفه العرب، ولم يوجد في أشعارهم وكلامهم; فلذا خفي على الكثير وأخطئوا في استعماله والزجاج، كأبي حاتم، وأبي نواس، وهو العالم النحرير، ولم يعلموا ذلك ولو علموه لسقط في أيديهم.
ورأوا أنهم قد ضلوا أي: تبينوا ضلالهم باتخاذ العجل وعبادته تبينا كأنهم قد أبصروه بعيونهم. قيل: وتقديم ذكر ندمهم على هذه الرؤية مع كونه متأخرا عنها للمسارعة إلى بيانه والإشعار بغاية سرعته كأنه سابق على الرؤية.
وقال القطب في بيان تأخر تبين الضلال عن الندم مع كونه سابقا عليه: إن الانتقال من الجزم بالشيء إلى تبين الجزم بالنقيض لا يكون دفعيا في الأغلب بل إلى الشك ثم الظن بالنقيض ثم الجزم به ثم تبينه، والقوم كانوا جازمين بأن ما هم عليه صواب، والندم عليه ربما وقع لهم في حال الشك فيه; فقد تأخر تبين الضلال عنه. انتهى. فافهم ولا تغفل.
قالوا لئن لم يرحمنا ربنا بإنزال التوبة المكفرة ويغفر لنا بالتجاوز عن خطيئتنا، وتقديم الرحمة على المغفرة مع أن التخلية حقها أن تقدم على التحلية قيل: إما للمسارعة إلى ما هو المقصود الأصلي، وإما لأن المراد بالرحمة مطلق إرادة الخير بهم، وهو مبدأ لإنزال التوبة المكفرة لذنوبهم، واللام في (لئن) موطئة للقسم; أي: والله لئن إلخ ... وفي قوله سبحانه: لنكونن من الخاسرين لجواب القسم كما هو المشهور.
وقرأ حمزة (ترحمنا وتغفر لنا) بالتاء الفوقية و (ربنا) بالنصب على النداء، وما حكي عنهم من الندامة والرؤية والقول كان بعد رجوع والكسائي: موسى عليه السلام من الميقات كما ينطق به ما سيأتي إن شاء الله تعالى في طه، وقدم ليتصل ما قالوه بما فعلوه.