وقرأ ، الحسن وغيرهما بالفتح وكلها لغات بمعنى ولا عبرة بإنكار بعضها و ( وزيد بن علي الدنيا ) تأنيث الأدنى أي إذ أنتم نازلون بشفير الوادي الأقرب إلى المدينة ( وهم ) أي المشركون بالعدوة القصوى أي البعدى من المدينة وهو تأنيث الأقصى ، وقرأ رضي الله تعالى عنهما ( القصيا ) ومن قواعدهم أن فعلى من ذوات الواو إذا كان اسما تبدل لامه ياء كدنيا فإنه من دنا يدنو إذا قرب ، ولم يبدل من قصوى على المشهور لأنه بحسب الأصل صفة ولم يبدل فيها للفرق بين الصفة والاسم ، وإذا اعتبر غلبته وأنه جرى مجرى الأسماء الجامدة قيل: قصيا، وهي لغة زيد بن علي تميم والأولى لغة أهل الحجاز ، ومن أهل التصريف من قال : إن اللغة الغالبة العكس فإن كانت صفة أبدلت اللام نحو العليا، وإن كانت اسما أقرت نحو حزوى; قيل : فعلى هذا القصوى شاذة والقياس قصيا ، وعنوا بالشذوذ مخالفة القياس لا الاستعمال فلا تنافي الفصاحة ، وذكروا في تعليل عدم الإبدال بالفرق أنه إنما لم يعكس الأمر وإن حصل به الفرق أيضا، لأن الصفة أثقل فأبقيت على الأصل الأخف لثقل الانتقال من الضمة إلى الياء ، ومن عكس أعطى الأصل للأصل وهو الاسم وغير في الفرع للفرق ( والركب ) أي العير أو أصحابها وأصحابه، وهو اسم جمع راكب لا جمع على الصحيح أبو سفيان أسفل منكم أي في مكان أسفل من مكانكم يعني ساحل البحر ، وهو نصب على الظرفية وفي الأصل صفة للظرف كما أشرنا إليه، ولهذا انتصب انتصابه وقام مقامه ولم ينسلخ عن الوصفية خلافا لبعضهم وهو واقع موقع الخبر ، وأجاز ، الفراء رفعه على الاتساع أو بتقدير موضع الركب أسفل ، والجملة عطف على مدخول إذ ، أي إذ أنتم إلخ وإذ الركب إلخ . والأخفش
واختار الجمهور أنها في موضع الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور قبل ، ووجه الإطناب في الآية مع حصول المقصود بأن يقال : يوم الفرقان يوم النصر والظفر على الأعداء مثلا تصوير ما دبر سبحانه من أمر وقعة بدر والامتنان والدلالة على أنه من الآيات الغر المحجلة وغير ذلك، وهذا مراد بقوله فائدة هذا التوقيت ، وذكر مراكز الفريقين وأن العير كان أسفل منهم الإخبار عن الحال الدالة على قوة شأن العدو وشوكته ، وتكامل عدته وتمهد أسباب العدة له وضعف شأن المسلمين والتياث أمرهم وأن غلبتهم في مثل هذه الحال ليست إلا صنعا من الله تعالى ودليلا على أن ذلك أمر لم يتيسر إلا بحوله سبحانه وقوته وباهر قدرته ، وذلك أن العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء وكانت أرضا لا بأس بها ولا ماء بالعدوة الدنيا وهي خبار تسوخ فيها الأرجل وكانت العير وراء ظهر العدو مع كثرة عددهم، فكانت الحماية دونها تضاعف حميتهم [ ص: 7 ] وتشحذ في المقاتلة عنها نياتهم وتوطن نفوسهم على أن لا يبرحوا مواطنهم ولا يخلو مراكزهم ويبذلوا منتهى نجدتهم وقصارى شدتهم وفيه تصوير ما دبر سبحانه من أمر تلك الوقعة ، وليس السؤال عن فائدة الإخبار بما هو معلوم للمخاطب ليكون الجواب بأن فائدته لازمة كما ظنه غير واحد لما لا يخفى ، وعلى هذا الطرز ذكر قوله تعالى : الزمخشري ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد أي : لو تواعدتم أنتم وهم القتال وعلمتم حالهم وحالكم لاختلفتم أنتم في الميعاد هيبة منهم ويأسا من الظفر عليهم ، وجعل الضمير الأول شاملا للجمعين تغليبا والثاني للمسلمين خاصة هو المناسب للمقام إذ القصد فيه إلى بيان ضعف المسلمين ونصرة الله تعالى لهم مع ذلك ، جعله فيهما شاملا للفريقين لتكون الضمائر على وتيرة واحدة من غير تفكيك على معنى لو تواعدتم أنتم وأهل مكة لخالف بعضكم بعضا فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد وثبطهم ما في قلوبهم من تهيب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فلم يتفق لكم من التلاقي ما وفقه الله تعالى من التلاقي وسبب له، ولا يخفى عدم مناسبته ، وأمر التفكيك سهل ( والزمخشري ولكن ) تلاقيتم على غير موعد ليقضي الله أمرا وهو نصر المؤمنين وقهر أعدائهم كان مفعولا أي كان واجبا أن يفعل بسبب الوعد المشار إليه بقوله سبحانه : ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) أو كان مقدرا في الأزل .
وقيل : كان بمعنى صار الدالة على التحول أي صار مفعولا بعد أن لم يكن ، وقوله سبحانه : ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ) بدل من ( ليقضي ) بإعادة الحرف أو متعلق بمفعولا .
وجوز أيضا تعلقه بيقضي ، واستطيب الطيبي الأول ، والمراد بالبينة الحجة الظاهرة ، أي ليموت من يموت عن حجة عاينها ويعيش من يعيش عن حجة شاهدها فلا يبقى محل للتعلل بالأعذار ، فإن وقعة بدر من الآيات الواضحة والحجج الغر المحجلة ، ويجوز أن يراد بالحياة الإيمان وبالموت الكفر استعارة أو مجازا مرسلا ، وبالبينة إظهار كمال القدرة الدالة على الحجة الدافعة أي ليصدر كفر من كفر وإيمان من آمن عن وضوح بينة ، وإلى هذا ذهب أبو البقاء قتادة، ومحمد بن إسحاق ، قيل : والمراد بمن هلك ومن حي المشارف للهلاك والحياة أو من هذا حاله في علم الله تعالى وقضائه ، والمشارفة في الهلاك ظاهرة ، وأما مشارفة الحياة فقيل : المراد بها الاستمرار على الحياة بعد الوقعة ، وإنما قيل ذلك : لأن من حي مقابل لمن هلك ، والظاهر أن ( عن ) بمعنى بعد كقوله تعالى : ( عما قليل ليصبحن نادمين ) ، وقيل : لما لم يتصور أن يهلك في الاستقبال من هلك في الماضي حمل من هلك على المشارفة ليرجع إلى الاستقبال ، وكذا لما لم يتصور أن يتصف بالحياة المستقبلة من اتصف بها في الماضي حمل على ذلك لذلك أيضا ، لكن يلزم منه أن يختص بمن لم يكن حيا إذ ذاك فيحمل على دوام الحياة دون الاتصاف بأصلها ، فيكون المعنى لتدوم حياة من أشرف لدوامها ، ولا يجوز أن يكون المعنى لتدوم حياة من حي في الماضي لأن ذلك صادق على من هلك فلا تحصل المقابلة إلا أن يخصص باعتبارها ، وتكلف بعضهم لتوجيه المضي والاستقبال بغير ما ذكر مما لا يخلو عن تأمل واعتبار المضي بالنظر إلى علم الله تعالى وقضائه والاستقبال بالنظر إلى الوجود الخارجي مما لا غبار عليه ، و ( عن ) لا يتعين كونها بمعنى بعد بل يمكن أن تبقى على معنى المجاوزة الذي لم يذكر البصريون سواه .
ونظير ذلك قوله تعالى : ( وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك ) بناء على أن المراد ما نتركها صادرين عن قولك كما هو رأي البعض ، ويمكن أن تكون بمعنى على كما في قوله تعالى : ( فإنما يبخل عن نفسه ) وقول ذي الإصبع :
[ ص: 8 ]
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب عني ولا أنت دياني فتخزوني
وقرأ ( الأعمش ليهلك ) بفتح العين ، وروي ذلك عن وهي على ما قال عاصم في " المحتسب " شاذة مرغوب عنها لأن الماضي هلك بالفتح ولا يأتي فعل يفعل إلا إذا كان حرف الحلق في العين أو اللام فهو من اللغة المتداخلة . ابن جني
وفي " القاموس " أن هلك كضرب ومنع وعلم وهو ظاهر في جواز الكسر والفتح في الماضي والمضارع .
نعم المشهور في الماضي الفتح وفي المضارع الكسر ، وقرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وأبو بكر ( حيي ) بفك الإدغام قال ويعقوب : وفيه وجهان أحدهما : الحمل على المستقبل وهو يحيى فكما لم يدغم فيه لم يدغم في الماضي . والثاني : أن حركة الحرفين مختلفة فالأول مكسور والثاني مفتوح واختلاف الحركتين كاختلاف الحرفين ، ولذلك أجازوا في الاختيار ضبب البلد إذا كثر ضبه ، ويقوي ذلك أن الحركة الثانية عارضة فكأن الياء الثانية ساكنة ولو سكنت لم يلزم الإدغام فكذلك إذا كانت في تقدير الساكن ، والياءان أصل وليست الثانية بدلا من واو ، وأما الحيوان فالواو فيه بدل من الياء ، وأما الحواء فليس من لفظ الحية بل من حوى يحوي إذا جمع أبو البقاء وإن الله لسميع عليم أي بكفر من كفر وعقابه وإيمان من آمن وثوابه ، ولعل الجمع بين الوصفين لاشتمال الكفر والإيمان على الاعتقاد والقول ، أما اشتمال الإيمان على القول فظاهر لاشتراط إجراء الأحكام بكلمتي الشهادة ، وأما اشتمال الكفر عليه فبناء على المعتاد فيه أيضا .