ما كان للمشركين أي لا ينبغي لهم ولا يليق وإن وقع أن يعمروا مساجد الله الظاهر أن المراد شيئا من المساجد لأنه جمع مضاف فيعم ويدخل فيه المسجد الحرام دخولا أوليا ، وتعميره مناط افتخارهم ، ونفي الجمع يدل على النفي عن كل فرد فيلزم نفيه عن الفرد المعين بطريق الكناية ، وعن وغيره أن المراد به المسجد الحرام واختاره بعض المحققين ، وعبر عنه بالجمع لأنه قبلة المساجد وإمامها المتوجهة إليه محاريبها فعامره كعامرها ، أو لأن كل مسجد ناحية من نواحيه المختلفة مسجد على حياله بخلاف سائر المساجد ، ويؤيد ذلك قراءة عكرمة ، أبي عمرو ، ويعقوب ، وابن كثير وكثير ( مسجد ) بالتوحيد ، وحمل بعضهم ( ما كان ) على نفي الوجود والتحقق ، وقدر بأن يعمروا بحق لأنهم عمروها بدونه ولا حاجة إلى ذلك على ما ذكرنا شاهدين على أنفسهم بالكفر بإظهارهم ما يدل عليه وإن لم يقولوا: نحن كفار ، وقيل : بقولهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك ، وقيل : بقولهم كفرنا بما جاء به محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ، وهو حال من الضمير في ( يعمروا ) قيل : أي ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين عمارة البيت والكفر بربه سبحانه ، وقال بعضهم : إن المراد محال أن يكون ما سموه عمارة بيت الله تعالى مع ملابستهم لما ينافيها ويحبطها من عبادة غيره سبحانه فإنها ليست من العمارة في شيء ، واعترض على قولهم : إن المعنى ما استقام لهم أن يجمعوا بين متنافيين بأنه ليس بمعرب عن كنه المرام ، فإن عدم استقامة الجميع بين المتنافيين إنما يستدعي انتفاء أحدهما لا بعينه لا انتفاء العمارة الذي هو المقصود ، وظاهره أن النفي في الكلام راجع إلى المقيد ، وحينئذ لا مانع من أن يكون المراد من ( ما كان ) نفي اللياقة على ما ذكرنا ، والغرض إبطال افتخار المشركين بذلك لاقترانه بما ينافيه وهو الشرك ، وجوز أن يوجه النفي إلى القيد كما هو الشائع وتكلف له بما لا يخلو عن نظر ، ولعل من قال في بيان المعنى : ما استقام لهم أن يجمعوا إلخ جعل محط النظر المقارنة التي أشعر بها الحال ، ومع هذا لا يأبى أن يكون المقصود نظرا للمقام نفي صحة الافتخار بالعمارة والسقاية فتدبر جدا .
[ ص: 65 ] ومما يدل على أن المقام لنفي الافتخار ما أخرجه ، أبو الشيخ عن وابن جرير أنه لما أسر الضحاك عيره المسلمون بالشرك وقطيعة الرحمن وأغلظ عليه العباس كرم الله تعالى وجهه في القول ، فقال : تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا إنا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونقري الحجيج ونفك العاني فنزلت . علي
وأخرج ، ابن جرير ، وابن المنذر عن وابن أبي حاتم رضي الله تعالى عنهما نحوه ( ابن عباس أولئك ) أي المشركون المذكورون حبطت أعمالهم التي يفتخرون بها بما قارنها من الكفر فصارت كلا شيء وفي النار هم خالدون لعظم ما ارتكبوه ، وإيراد الجملة اسمية للمبالغة في الخلود ، والظرف متعلق بالخبر قدم عليه للاهتمام به ومراعاة للفاصلة .
وهذه الجملة قيل : عطف على جملة ( حبطت ) على أنها خبر آخر لأولئك ، وقيل : هي مستأنفة كجملة أولئك حبطت وفائدتهما تقرير النفي السابق الأولى من جهة نفي استتباع الثواب والثانية من جهة نفي استدفاع العذاب .