وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله إيثارا للراحة والتنعم بالمآكل والمشارب مع ما في قلوبهم من الكفر والنفاق ، وبين الفرح والكراهة مقابلة معنوية لأن الفرح بما يحب .
وإيثار ما في النظم على أن يقال: وكرهوا أن يخرجوا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إيذان بأن الجهاد في سبيل الله تعالى مع كونه من أجل الرغائب التي ينبغي أن يتنافس فيها المتنافسون قد كرهوه، كما فرحوا بأقبح القبائح وهو القعود خلاف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، وفي الكلام تعريض بالمؤمنين الذين آثروا ذلك وأحبوه ابتغاء لرضا الله تعالى ورسوله ( وقالوا ) أي : لإخوانهم تثبيتا لهم على القعود وتواصيا بينهم بالفساد أو للمؤمنين تثبيطا لهم على الجهاد ونهيا عن المعروف وإظهارا لبعض العلل الداعية لهم إلى ما فرحوا به ، والقائل رجال من المنافقين كما روي عن وهو الذي يقتضيه الظاهر . جابر بن عبد الله
وأخرج عن ابن جرير أن القائل رجل من محمد بن كعب القرظي بني سلمة ، ووجه ضمير الجمع على هذا يعلم بما مر غير مرة لا تنفروا لا تخرجوا إلى الغزو في الحر فإنه لا يستطاع شدته ( قل ) يا محمد ردا عليهم وتجهيلا لهم نار جهنم التي هي مصيركم بما فعلتم أشد حرا من هذا الحر الذي ترونه مانعا من النفير فما لكم لا تحذرونها وتعرضون أنفسكم لها بإيثار القعود والمخالفة لله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام لو كانوا يفقهون تذييل من جهته تعالى غير داخل على القول المأمور به مؤكد لمضمونه ، وجواب ( لو ) مقدر وكذا مفعول ( يفقهون ) أي : لو كانوا يعلمون أنها كذلك أو أحوالها وأهوالها أو أن مرجعهم إليها لما آثروا راحة زمن قليل على عذاب الأبد ، وأجهل الناس من صان نفسه عن أمير يسير يوقعه في ورطة عظيمة ، وأنشد لابن أخت خالته : الزمخشري
مسرة أحقاب تلقيت بعدها مساءة يوم أريها شبه الصاب فكيف بأن تلقى مسرة ساعة
وراء تقضيها مساءة أحقاب
[ ص: 152 ] وقدر بعضهم الجواب لتأثروا بهذا الإلزام وهو خلاف الظاهر ، وجوز أن تكون ( لو ) لمجرد التمني المنبئ عن امتناع تحقق مدخولها ، وينزل الفعل المتعدي منزلة اللازم فلا جواب ولا مفعول ويؤول المعنى إلى أنهم ما كانوا من أهل الفطانة والفقه ، ويكون الكلام نظير قوله تعالى : قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون وهو خلاف الظاهر أيضا .