وقرأ أهل المدينة والكوفة غير (مرجون) بغير همز والباقون (مرجئون) بالهمز وهما لغتان يقال: أرجئته وأرجيته كأعطيته، ويحتمل أن يكون الياء بدلا من الهمزة كقولهم: قرأت وقريت وتوضأت وتوضيت وهو في كلامهم كثير، وعلى كونه لغة أصلية هو يائي وقيل: إنه واوي ومن هذه المادة المرجئة إحدى فرق أهل القبلة، وقد جاء فيه الهمز وتركه وسموا بذلك لتأخيرهم المعصية عن الاعتبار في استحقاق العذاب حيث [ ص: 17 ] قالوا: لا عذاب مع الإيمان فلم يبق للمعصية عندهم أثر، وفي المواقف سموا مرجئة لأنهم يرجون العمل عن النية أي يؤخرونه في الرتبة عنها وعن الاعتقاد أو لأنهم يعطون الرجاء في قولهم: لا يضر مع الإيمان معصية انتهى أبي بكر
وعلى التفسيرين الأولين يحتمل أن يكون بالهمز وتركه وأما على الثالث فينبغي أن يقال مرجئة بفتح الراء وتشديد الجيم، والمراد بهؤلاء المرجون كما في الصحيحين هلال بن أمية وكعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهو المروي عن وكبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وكانوا قد تخلفوا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لأمر ما مع الهم باللحاق به عليه الصلاة والسلام فلم يتيسر لهم ولم يكن تخلفهم عن نفاق وحاشاهم فقد كانوا من المخلصين فلما قدم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وكان ما كان من المتخلفين قالوا: لا عذر لنا إلا الخطيئة ولم يعتذروا له صلى الله تعالى عليه وسلم ولم يفعلوا كما فعل أهل السواري وأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم باجتنابهم وشدد الأمر عليهم كما ستعلمه إن شاء الله تعالى إلى أن نزل قوله سبحانه: ابن عباس لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار إلخ وقد وقف أمرهم خمسين ليلة لا يدرون ما الله تعالى فاعل بهم إما يعذبهم وإما يتوب عليهم في موضع الحال أي منهم هؤلاء إما معذبين وإما متوبا عليهم
وقيل: خبر (آخرون) على أنه مبتدأ ومرجون صفته، والأول أظهر وإما للتنويع على معنى أن أمرهم دائر بين هذين الأمرين، وقيل: للترديد بالنظر للفساد، والمعنى ليكن أمرهم عندكم بين الرجاء والخوف والمقصود تفويض ذلك إلى إرادة الله تعالى ومشيئته إذ لا يجب عليه سبحانه تعذيب العاصي ولا مغفرة التائب وإنما شدد عليهم مع إخلاصهم والجهاد فرض كفاية لما نقل عن ابن بطال في الروض الأنف وارتضاه أن الجهاد كان على الأنصار خاصة فرض عين لأنهم بايعوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ألا ترى قول راجزهم في الخندق:
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا
وهؤلاء من أجلتهم فكان تخلفهم كبيرة وروي عن أن هذه الآية في المنافقين وحينئذ لا يراد بالآخرين من ذكرنا لأنهم من علمت بل يراد به آخرون منافقون، وعلى هذا ينبغي أن يكون قول من قال في الحسن إما يعذبهم أي إن أصروا على النفاق، وقد علمت أن ذلك خلاف ما في الصحيحين . وحمل النفاق في كلام القائل على ما يشبهه بعيد ودعوى بلا دليل والله عليم بأحوالهم حكيم 106 فيما فعل بهم من الإرجاء وفي قراءة عبد الله (غفور رحيم)