ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم حكاية لجناية أخرى لهم وهي عطف على قوله سبحانه: وإذا تتلى عليهم الآية عطف قصة على قصة (ومن دون) في موضع الحال من فاعل (يعبدون) أي متجاوزين الله تعالى إما بمعنى ترك عبادته سبحانه بالكلية لأنها لا تصح ولا تقع عبادة مع الشركة أو بمعنى عدم الاكتفاء بها وجعلها قرينا لعبادة غيره سبحانه كما اختاره البعض و (ما) إما موصولة أو موصوفة والمراد بها الأصنام ومعنى كونها لا تضر ولا تنفع أنها لا تقدر على ذلك لأنها جمادات والمقصود من هذا الوصف نفي صحة معبوديتها لأن من شأن المعبود القدرة على ما ذكر وقيل: المعنى لا تضرهم إن تركوا عبادتها ولا تنفعهم إن عبدوها والمقصود أيضا نفي صحة معبوديتها لأن من شأن المعبود أن يثيب عابده ويعاقب من لم يعبده والفرق بين التفسيرين على ما قاله القطب إطلاق النفع والضر في الأول والتقييد بالعبادة وتركها في الثاني وقيل: المقصود على الأول من الموصول الأصنام بعينها وعلى الثاني فاقد أوصاف المعبودية ويجوز أن يدخل فيه غير الأصنام من الملائكة والمسيح عليهم السلام والظاهر أن المراد هنا الأصنام لأن العرب إنما كانوا يعبدونها وكان أهل الطائف يعبدون اللات وأهل مكة ومناة وهبل وأسافا ونائلة ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله أخرج عن ابن أبي حاتم قال: كان عكرمة النضر بن الحرث يقول: إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى وفيه نزلت الآية
والظاهر أن سائر المشركين كانوا يقولون هذا القول، ولعل ذلك منهم على سبيل الفرض والتقدير أي إن كان بعث كما زعمتم فهؤلاء يشفعون لنا فلا يقال: إن المتبادر من الشفاعة عند الله تعالى أنه في الآخرة وهو مستلزم للبعث وهم ينكرونه كما يدل عليه قوله تعالى: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت وكذا ما تقدم آنفا من قوله سبحانه: قال الذين لا يرجون لقاءنا فيلزم المنافاة بين مفاهيم الآيات وكأنه لذلك قال عليه الرحمة: إنهم أرادوا من هذه الشفاعة الشفاعة في الدنيا لإصلاح المعاش وحينئذ لا منافاة والجمهور على الأول ومن سبر حال القوم رآهم مترددين ولذلك اختلفت كلماتهم ونسبة الشفاعة للأصنام قيل باعتبار السببية وذلك لأنهم كما هو المشهور وضعوها على صور رجال صالحين ذوي خطر عندهم وزعموا [ ص: 89 ] أنهم متى اشتغلوا بعبادتها فإن أولئك الرجال يشفعون لهم وقيل: إنهم كانوا يعتقدون أن المتولي لكل إقليم روح معين من أرواح الأفلاك فعينوا لذلك الروح صنما من الأصنام واشتغلوا بعبادتها قصدا إلى عبادة الكواكب وقيل غير ذلك، والحق أن من الأصنام ما وضع على الوجه الأول ومنها ما وضع لكونها كالهياكل للروحانيات الحسن قل تبكيتا لهم أتنبئون الله بما لا يعلم أي أتخبرونه سبحانه بما لا وجود له ولا تحقق أصلا وهو كون الأصنام شفعاءهم عنده جل شأنه فإن ما لا يعلمه علام الغيوب المحيط علمه بالكليات والجزئيات لا يكون له تحقق بالكلية وذكروا أن مثل ذلك لا يسمى شيئا بناء على أنه كما قال ما يصح أن يعلم ويخبر عنه وهو يشمل الموجود والمعدوم كما حققه بعض أصحابنا سيبويه كالمعتزلة وسموا ما لا يعلم بالمنفي كالشريك وكاجتماع الضدين وحقق ذلك الشيخ إبراهيم الكوراني في رسالة مستقلة أتى فيها بالعجب العجاب ويجوز أن يراد بالموصول أن له سبحانه شريكا والمقصود على الوجهين من ذكر أنباء الله تعالى بما لا تحقق له ولم يتعلق به علمه التهكم والهزء بهم وإلا فلا أنباء وقوله سبحانه: في السماوات ولا في الأرض في موضع الحال من العائد المحذوف أي بما لا يعلمه كائنا في ذلك والمقصود منه تأكيد النفي المدلول عليه بما قبله فإنه قد جرى في العرف أن يقال عند تأكيد النفي للشيء ليس هذا في السماء ولا في الأرض لاعتقاد العامة أن كل ما يوجد إما في السماء وإما في الأرض كما هو رأي المتكلمين في كل ما سوى الله تعالى إذ هو سبحانه المعبود المنزه عن الحلول في المكان والآيات التي ظاهرها ذلك من المتشابه والمذاهب فيه شهيرة وهذا إذا أريد بالسماء والأرض جهتا العلو والسفل وقيل: الكلام إلزامي لزعم المخاطبين الكافرين أن الأمر كذلك وقيل: إن معنى الآية أتخبرونه تعالى بشريك أو شفيع لا يعلم شيئا في السماوات ولا في الأرض كما في قوله تعالى: ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض وليس بشيء سبحانه وتعالى عما يشركون 18 أي عن إشراكهم المستلزم لتلك المقالة الباطلة أو عن شركائهم الذين يعتقدونهم شركاء وقرئ (أتنبئون) بالتخفيف وقرأ حمزة (تشركون) بتاء الخطاب على أنه من جملة القول المأمور به وعلى الأول هو اعتراض تذليلي من جهته سبحانه وتعالى والكسائي