ومن جعل قوله سبحانه: ولا يحزنك قولهم معطوفا على الجملة قبل أي أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فلا يحزنك قول أعداء الله تعالى فالاعتراض عنده بين متصلين لا في آخر الكلام لكنه ليس بشيء، والذي عليه الجمهور أنه استئناف سيق تسلية للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم عما كان يلقاه من جهة الأعداء من الأذية الناشئة من مقالاتهم الرديئة الوحشية وتبشيرا له عليه الصلاة والسلام بالنصر والعز إثر بيان أن له ولأتباعه أمنا من كل محذور وفوزا بكل مطلوب فهو متصل بقوله سبحانه: ألا إن أولياء الله إلخ معنى وقيل: إنه [ ص: 153 ] متصل بقوله سبحانه: (فإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم) الآية . واختاره على ما فيه من البعد الطبرسي
وقرأ نافع ولا يحزنك من أحزن وهو في الحقيقة نهي له صلى الله تعالى عليه وسلم عن الحزن كأنه قيل: لا تحزن بقولهم ولا تبال بكل ما يتفوهون به في شأنك، مما لا خير فيه، وإنما عدل عنه إلى ما في النظم الجليل للمبالغة في النهي عن الحزن لما أن النهي عن ألتأثير نهي عن التأثر بأصله ونفي له بالمرة، ونظير ذلك كما مر غير مرة قولهم، لا أرينك ههنا ولا يأكلك السبع ونحوه، وقد وجه فيه النهي إلى اللازم والمراد هو النهي عن الملزوم قيل: وتخصيص النهي عن الحزن بالإيراد مع شمول النفي السابق للخوف أيضا لما أنه لم يكن فيه صلى الله تعالى عليه وسلم شائبة خوف حتى ينهى عنه وربما كان يعتريه صلى الله تعالى عليه وسلم في بعض الأوقات حزن فسلى عنه، ولا يخفى أنه إذا قلنا: إن الخوف والحزن متقاربان فإذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا كما علمت آنفا كان النهي عن الحزن نهيا عن الخوف أيضا إلا أن الأولى عدم اعتبار ما فيه توهم نسبة الخوف إلى ساحته عليه الصلاة والسلام وإن لم يكن في ذلك نقص فقد جاء نهي الأنبياء عليهم السلام عن الخوف كنهيهم عن الحزن بل قد ثبت صريحا نسبة ذلك إليهم وهو مما لا يخل بمرتبة النبوة إذ ليس كل خوف نقصا لينزهوا عنه كيف كان .
إن العزة لله جميعا كلام مستأنف سيق لتعليل النهي وقيل: جواب سؤال مقدر كأنه قيل: لم لا يحزنه؟ فقيل: لأن الغلبة والقهر لله سبحانه لا يملك أحد شيئا منها أصلا لا هم ولا غيرهم فلا يقهر ولا يغلب أولياءه بل يقهرهم ويغلبهم ويعصمك منهم . وقرأ أبو حيوة (أن) بالفتح على صريح التعليل أي لأن، وحمل قتيبة بن مسلم ذلك على البدل ثم أنكر القراءة لذلك لأنه يؤدي إلى أن يقال: فلا يحزنك أن العزة لله جميعا وهو فاسد . وذكر أنه لو حمل على البدل لكان له وجه أيضا على أسلوب (ولا تكونن ظهيرا للكافرين الزمخشري ولا تدع مع الله إلها آخر فيكون للتهييح والإلهاب والتعريض بالغير وفيه بعد هو السميع العليم 65 يسمع أقوالهم في حقك ويعلم ما يضمرونه عليك فيكافؤهم على ذلك وما ذكرناه في الآية هو الظاهر المتبادر . وأخرج عن أبو الشيخ رضي الله تعالى عنهما أنه قال: لما لم ينتفعوا بما جاءهم من الله تعالى وأقاموا على كفرهم كبر ذلك على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فجاءه من الله سبحانه فيما يعاتبه ابن عباس ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم يسمع ما يقولون ويعلمه فلو شاء بعزته لانتصر منهم ولا يخفى أنه خلاف الظاهر جدا مع ما فيه من تعليق العلم بما علق بالسمع، ولعل روايته عن الحبر غير معول عليها .