نصبنا رأسه في جذع نخل بما (جرمت) يداه وما اعتدينا
وما بعده مفعوله وفاعله ما دل عليه الكلام، أي كسب ذلك أظهرية أو أكثرية خسرانهم، وحكي هذا عن ونقل عن الأزهري، أن –لا- نافية حسبما نقل عن سيبويه ، و –جرم- فعل ماض بمعنى حق وما بعد فاعله كأنه قيل: لا ينفعهم ذلك الفعل حق ( أنهم في الآخرة ) إلخ. الزجاجوذكر أن مذهب سيبويه، وكذا الخليل أيضا كون مجموع ( لا جرم ) بمعنى حق، وأن ما بعده رفع به على الفاعلية، وقيل: (لا) صلة و (جرم) فعل بمعنى كسب أو حق، وعن أبو حيان أن (لا) نافية و (جرم) اسمها مبني معها على الفتح نحو لا رجل، والمعنى لا ضد ولا منع، والظاهر أن الخبر على هذا محذوف وحذف حرف الجر من أن ويقدر حسبما يقتضيه المعنى، وقيل: إن جرم اسم (لا) ومعناه القطع من جرمت الشيء أي قطعته، والمعنى لا قطع لثبوت أكثرية خسرانهم أي إن ذلك لا ينقطع في وقت فيكون خلافه. الكسائي
ونقل السيرافي عن أن ( لا جرم ) في الأصل بمعنى لا يدخلنكم في الجرم أي الإثم كإثمه أي أدخله في الإثم، ثم كثر استعماله حتى صار بمعنى لا بد، ونقل هذا المعنى عن الفراء، وفي البحر أن (جرم) عليه اسم (لا)، وقيل: إن (جرم) بمعنى باطل إما على أنه موضوع له، وإما أنه بمعنى كسب، والباطل محتاج له، ومن هنا يفسر ( لا جرم ) بمعنى حقا؛ لأن الحق نقيض الباطل، وصار لا باطل يمينا كلا كذب في قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: الزجاج وفي القاموس أنه يقال: (لا جرم)، ولا (ذا جرم)، ولا أن ذا جرم، ولا عن ذا جرم، ولا جرم ككرم، و (لا جرم) بالضم أي لا بد، أو حقا، أو لا محالة، وهذا أصله ثم كثر حتى تحول إلى معنى القسم، فلذلك يجاب عنه باللام، فيقال: لا جرم لآتينك، انتهى، وفيه مخالفة لما نقله "أنا النبي لا كذب"، السيرافي عن ، وما ذكره من (لا جرم) ككرم رواه بعضهم عن الزجاج في الآية، ومن لا ذا جرم حكاه أبي عمرو عن الفراء بني عامر، وحكى أيضا (لا جرم) بالضم عن أناس من العرب، ولكن قال إن في ثبوت هذه اللغة في فصيح كلامهم ترددا وجرم فيها يحتمل أن يكون اسما وأن يكون فعلا مجهولا سكن للتخفيف، وحكى بعضهم لا ذو جرم، ولا عن جرم ولا جر بحذف الميم لكثرة الاستعمال كما حذفت الفاء من سوف لذلك في قولهم: سو ترى. الشهاب:
والظاهر أن المقحمات بين (لا) و (جرم) زائدة وإليه يشير كلام بعضهم، وحكي بغير لا جرم أنك أنت فعلت ذاك، ولعل المراد أن كونك الفاعل لا يحتاج إلى أن يقال فيه لا حرم فليراجع ذاك، والله تعالى يتولى هداك.
ثم إنه تعالى لما ذكر طريق الكفار وأعمالهم وبين مصيرهم وما لهم شرع في شرح حال أضدادهم وهم المؤمنون وبيان ما لهم من العواقب الحميدة تكملة لما سلف من محاسن المؤمنين المذكورة عند جمع في قوله سبحانه: [ ص: 34 ] أفمن كان على بينة من ربه الآية ليتبين ما بينهما من التباين البين حالا ومآلا فقال عز من قائل: