كالأعمى والأصم والبصير والسميع أي كحال من جمع بين العمى والصمم، ومن جمع بين البصر والسمع فهناك تشبيهان: الأول تشبيه حال الكفرة الموصوفين بالتعامي والتصام عن آيات الله تعالى بحال من خلق أعمى أصم لا تنفعه عبارة ولا إشارة، والثاني تشبيه حال الذين آمنوا وعملوا الصالحات فانتفعوا بأسماعهم وأبصارهم اهتداء إلى الجنة وانكفاء عما كانوا خابطين فيه من ضلال الكفر والدجنة بحال من هو بصير سميع يستضيء بالأنوار في الظلام ويستفيء بمغانم الإنذار والإبشار فوزا بالمرام، والعطف لتنزيل تغاير الصفات منزلة تغاير الذوات كما في قوله:
يا لهف زيابة للحرث الص ابح فالغانم فالآيب
ويحتمل أن يكون هناك تشبيهات بأن يعتبر تشبيه حال كل من الفريقين الفريق الكافر والفريق المؤمن بحال اثنين، أي مثل الفريق الكافر كالأعمى ومثله أيضا كالأصم، ومثل الفريق المؤمن كالبصير ومثله أيضا كالسميع، وقد يعتبر تنويع كل من الفريقين إلى نوعين فيشبه نوع من الكفار بالأعمى ونوع منهم بالأصم، ويشبه نوع من المؤمنين بالبصير ونوع منهم بالسميع، واستبعد ذلك إذ تقسيم الكفار إلى مشبه بالأول ومشبه بالثاني وكذلك المؤمنون غير مقصود البتة بدليل نظائره في الآيات الأخر كقوله سبحانه: وما يستوي الأعمى والبصير وكقوله تعالى: ختم الله على قلوبهم في الكفار الخلص، وقوله تبارك وتعالى: صم بكم عمي في المنافقين، وللآية على احتمالاتها شبه في الجملة بقول امرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي
وفي البحر إنما لم يجئ التركيب كالأعمى والبصير، والأصم والسميع ليكون كل من المتقابلين على إثر مقابله؛ لأنه تعالى لما ذكر انسداد العين أتبعه بانسداد السمع، ولما ذكر انفتاح البصر أتبعه بانفتاح السمع وذلك هو الأسلوب في المقابلة والأتم في الإعجاز، وسيأتي إن شاء الله تعالى نظير ذلك في قوله سبحانه: إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ثم الظاهر مما تقدم أن الكلام على حذف مضاف وهو مجرور بالكاف والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع خبرا عن مثل.
وجوز أن تكون الكاف نفسها خبرا لمبتدأ ويكون معناها معنى المثل ولا حاجة إلى تقدير مضاف، أي مثل الفريقين مثل الأعمى والأصم والبصير والسميع، هل يستويان يعني الفريقين المذكورين، والاستفهام إنكاري مذكر على ما قيل: لما سبق من إنكار المماثلة في قوله سبحانه: أفمن كان على بينة من ربه إلخ. (مثلا) أي حالا وصفة ونصبه على التمييز المحول عن الفاعل، والأصل هل يستوي مثلهما.
وجوز أن يكون حالا وفيه بعد ابن عطية أفلا تذكرون أي أتشكون في عدم الاستواء وما بينهما من التباين أو تغفلون عنه فلا تتذكرونه بالتأمل فيما ذكر لكم من المثل، فالهمزة للاستفهام الإنكاري وهو وارد على المعطوفين معا، أو أتسمعون هذا فلا تتذكرون فيكون الإنكار واردا على عدم التذكر بعد تحقق ما يوجب وجوده، وهو المثل المضروب، أي أفلا تفعلون التذكر أو أفلا تعقلون ومعنى إنكار عدم التذكر استبعاده من المخاطبين، وأنه مما لا يصح أن يقع وليس من قبيل الإنكار في أفمن كان على بينة من ربه)، و هل يستويان فإن ذلك لنفي المماثلة ونفي الاستواء، ثم إنه تعالى شرع في ذكر قصص الأنبياء الداعين إلى الله تعالى وبيان حالهم مع أممهم ليزداد صلى الله تعالى عليه وسلم تشميرا في الدعوة وتحملا لما يقاسيه من المعاندين، فقال عز من قائل: