قال يا قوم أرأيتم أخبروني إن كنت على بينة حجة ظاهرة وبرهان وبصيرة من ربي مالكي ومتولي أموري وآتاني منه من قبله سبحانه رحمة نبوة، وهذا من الكلام المنصف، والاستدراج [ ص: 90 ] إذ لا يتصور منه عليه السلام شك فيما في حيز إن، وأصل وضعها أنها لشك المتكلم فمن ينصرني من الله أي فمن يمنعني من عذابه، ففي الكلام مضاف مقدر والنصرة مستعملة في لازم معناها أو أن الفعل مضمن معنى المنع، ولذا تعدى -بمن -والعدول إلى الإظهار لزيادة التهويل، والفاء لترتيب إنكار النصر على ما سبق من كونه على بينة وإيتاء الرحمة على تقدير العصيان حسبما يعرب عنه قوله: إن عصيته أي في المساهلة في تبليغ الرسالة والمنع عن الشرك به تعالى والمجاراة معكم فيما تشتهون، فإن العصيان ممن ذلك شأنه أبعد والمؤاخذة عليه ألزم وإنكار نصرته أدخل. فما تزيدونني إذن باستتباعكم إياي أي لا تفيدونني إذ لم يكن فيه أصل الخسران حتى يزيدوه غير تخسير أي غير أن تجعلوني خاسرا بإبطال أعمالي وتعريضي لسخط الله تعالى، أو فما تزيدونني بما تقولون غير أن أنسبكم إلى الخسران، وأقول لكم: إنكم لخاسرون لا أن أتبعكم.
وروي هذا عن الحسن بن الفضل، فالفاعل على الأول هم والمفعول صالح، وعلى الثاني بالعكس والتفعيل كثيرا ما يكون للنسبة كفسقته وفجرته، والزيادة على معناها والفاء لترتيب عدم الزيادة على انتفاء الناصر المفهوم من إنكاره على تقدير العصيان مع تحقق ما ينفيه من كونه عليه السلام على بينة من ربه وإيتائه النبوة.
وعن رضي الله تعالى عنهما أن المعنى ابن عباس فما تزيدونني غير مضارة في خسرانكم، فالكلام على حذف مضاف، وعن ما تزدادون أنتم باحتجاجكم بعبادة آبائكم إلا خسارا، وأضاف الزيادة إلى نفسه لأنهم أعطوه ذلك وكان قد سألهم الإيمان، وقال مجاهد المعنى فما تعطوني فيما أقتضيه منكم من الإيمان ابن عطية: غير تخسير لأنفسكم، وأضاف الزيادة إلى نفسه من حيث إنه مقتض لأقوالهم موكل بأيمانهم كما تقول لمن توصيه: أنا أريد بك خيرا وأنت تريد بي سوءا، وكان الوجه البين أن تقول: وأنت تريد شرا لكن من حيث كنت مريد خير ومقتضى ذلك حسن أن تضيف الزيادة إلى نفسك، وقيل: المعنى فما تزيدونني غير تخسيري إياكم حيث إنكم كلما ازددتم تكذيبا إياي ازدادت خسارتكم، وهي أقوال كما ترى