عليكم أهل البيت نصب على المدح أو الاختصاص كما ذهب إليه كثير من المعربين، قال وبينهما فرق ولذلك جعلهما أبو حيان: في بابين وهو أن المنصوب على المدح لفظ يتضمن بوضعه المدح كما أن المنصوب على الذم يتضمن بوضعه الذم، والمنصوب على الاختصاص يقصد به المدح، أو الذم لكن لفظه لا يتضمن بوضعه ذلك كقول رؤبة: بنا تميما يكشف الضباب. سيبويه
انتهى، وفي الهمع أن النصب في الاختصاص بفعل واجب الإضمار وقدره سيبويه بأعني ويختص بأي الواقعة بعد ضمير المتكلم كأنا أفعل كذا أيها الرجل، وكاللهم اغفر لنا أيتها العصابة، وحكمها في هذا الباب -إلا عند السيرافي حكمها في باب النداء ويقوم مقامها في الأكثر كما -قال والأخفش- بنو نحو قوله. نحن بني ضبة أصحاب الجمل. ومنه قوله: سيبويه-
نحن بنات طارق نمشي على النمارق
ومعشر كقوله:لنا معشر الأنصار مجد مؤثل بإرضائنا خير البرية أحمدا
وفي الحديث: وآل، وأهل، "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" لا ينصب غيرهما وليس بشيء، وقل كون ذلك علما كما في بيت رؤبة السابق في كلام وأبو عمرو أبي حيان، ولا يكون اسم إشارة ولا غيره، ولا نكرة البتة، ولا يجوز تقديم اسم الاختصاص على الضمير، وقل وقوع الاختصاص بعد ضمير المخاطب كسبحانك الله العظيم، وبعد لفظ غائب في تأويل المتكلم أو المخاطب نحو على المضارب الوضعية أيها البائع، فالمضارب لفظ غيبة لأنه ظاهر لكنه في معنى على أو عليك، ومنع ذلك الصفار البتة لأن الاختصاص شبه النداء فكما لا ينادى الغائب فكذلك لا يكون فيه الاختصاص انتهى، مع أدنى زيادة وتغيير، ومنه يعلم بعض ما في كلام أبي حيان وأن حمل ما في الآية الكريمة على الاختصاص من ارتكاب ما قل في كلامهم، وجوز في الكشاف نصبه على النداء، وقدمه على احتمال النصب على الاختصاص، ولعله أشار بذلك إلى ترجيحه على الاحتمال الثاني، لكن ذكر بعض الأفاضل إن في ذلك فوات معنى المدح المناسب للمقام، والمراد من البيت -كما في البحر- بيت السكنى، وأصله مأوى الإنسان بالليل، ثم قد يقال من غير اعتبار الليل فيه، ويقع على المتخذ من حجر ومن مدر، ومن صوف ووبر، وعبر عن مكان الشيء بأنه بيته ويجمع على بيوت وأبيات، وجمع الجمع أباييت وبيوتات، وأبياوات، ويصغر على بييت وبييت بالكسر، ويقال: بويت كما تقوله العامة، وصرف الخطاب من صيغة الواحدة إلى الجمع ليكون جوابهم عليهم السلام لها جوابا لمن يخطر بباله مثل ما خطر ببالها من سائر أهل البيت.
والجملة كلام مستأنف علل به إنكار تعجبها فهي جملة خبرية، واختاره جمع من المحققين، وقيل: هي دعائية وليس بذاك، واستدل بالآية على دخول الزوجة في أهل البيت، وهو الذي ذهب إليه السنيون، ويؤيده ما في سورة الأحزاب، وخالف في ذلك الشيعة فقالوا: لا تدخل إلا إذا كانت قريب الزوج، ومن نسبه فإن المراد من البيت بيت النسب لا بيت الطين والخشب، ودخول سارة رضي الله تعالى عنها هنا لأنها بنت عمه، وكأنهم حملوا البيت على الشرف كما هو أحد معانيه، وبه فسر في قول رضي الله تعالى عنه يمدح النبي صلى الله عليه وسلم: [ ص: 102 ] حتى احتوى بيتك المهين من خندف علياء تحتها النطف العباس
ثم خصوا الشرف بالشرف النسبي وإلا فالبيت بمعنى النسب مما لم يشع عند اللغويين، ولعل الذي دعاهم لذلك بغضهم رضي الله تعالى عنها فراموا إخراجها من حكم لعائشة يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل الكلام في هذا المقام، واستدل بالآية على وروي ذلك عن غير واحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم. كراهة الزيادة في التحية على "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"،
أخرج في الشعب عن البيهقي رضي الله تعالى عنهما أن رجلا قال له: سلام عليك ورحمة الله وبركاته ومغفرته فانتهره ابن عمر وقال: حسبك ما قال الله تعالى، وأخرج عن ابن عمر أن سائلا قام على الباب وهو عند ابن عباس فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته وصلواته ومغفرته، فقال: انتهوا بالتحية إلى ما قال الله سبحانه، وفي رواية عن ميمونة قال: كنت جالسا عند عطاء فجاء سائل فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه فقال: ما هذا السلام؟! وغضب حتى احمرت وجنتاه إن الله تعالى حد للسلام حدا ثم انتهى ونهى عما وراء ذلك ثم قرأ ابن عباس رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت ، إنه حميد قال أبو الهيثم: أي تحمد أفعاله، وفي الكشاف أي فاعل ما يستوجب به الحمد من عباده، ففعيل بمعنى مفعول وجوز الراغب أن يكون ( حميد ) هنا بمعنى حامد ولعل الأول أولى مجيد أي كثير الخير والإحسان، وقال ابن الأعرابي: هو الرفيع يقال: مجد كنصر وكرم مجدا ومجادة أي كرم وشرف؛ وأصله من مجدت الإبل إذا وقعت في مرعى كثير واسع، وقد أمجدها الراعي إذا أوقعها في ذلك، وقال يقال: أمجدت الدابة إذا أكثرت علفها، وقال الأصمعي: أمجد فلان عطاءه ومجده إذا كثره، ومن ذلك قول الليث: أبي حية النميري:
تزيد على صواحبها وليست (بماجدة) الطعام ولا الشراب