وقيل: القرى على ظاهرها وإسناد الأنباء إليها مجاز، وضمير ( منها ) لها وضمير ( ظلمناهم ) للأهل المفهوم منها، وقيل: ( القرى ) مجاز على أهلها، والضميران راجعان إليها بذلك الاعتبار، أو يقدر المضاف والضميران له أيضا، وعلى هذا خرج ما حكي عن بعضهم من أن معنى منها قائم وحصيد منها باق نسله، ومنها منقطع نسله، وأيا ما كان ففي الكلام إيذان بإهلاك الأهل فيكون المعنى هنا وما ظلمناهم بإهلاكنا إياهم ولكن ظلموا أنفسهم حيث اقترفوا بسوء استعدادهم ما يترتب عليه ذلك بمقتضى الحكمة فما أغنت عنهم أي ما نفعتهم ولا دفعت بأس الله تعالى عنهم آلهتهم التي يدعون أي يعبدونها من دون الله أوثر صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية أو للدلالة على استمرار عبادتهم لها من شيء أي شيئا من الإغناء أو شيئا من الأشياء –فما- نافية لا استفهامية -وإن جوزه السمين- وتعلق عن بما عنده لما فيه من معنى الدفع، و (من) الأخيرة صلة ومجرورها مفعول مطلق أو مفعول به للدفع، وقوله سبحانه: لما جاء أمر ربك أي حين مجيء عذابه منصوب –بأغنت- وهذا -على ما في البحر- بناء على خلاف مذهب لأن مذهبه أن (لما) حرف وجوب لوجوب. سيبويه
وقرئ -آلهتهم اللاتي- و ( يدعون ) بالبناء للمفعول وهو وصف للآلهة كالتي في المشهورة، وفيه مطابقة [ ص: 137 ] للموصوف ليست في (التي) لكن قيل -كما في جمع الجوامع للجلال السيوطي- إن التي في جمع غير عالم أكثر من اللاتي، نعم إن الآلهة قد عوملت في الآية معاملة العقلاء لأن عبدتها نزلوها منزلة العقلاء في اعتقادهم فيها أنها تنفع وتضر، فقيل: وما زادوهم غير تتبيب ومن هنا قيل: إن اللاتي في تلك القراءة واقع موقع الألى أو الذين، و –التتبيب- على ما في البحر التخسير، يقال: تب خسر، وتببه خسره.
وذكر الجوهري أن التب الخسران والهلاك، والتتبيب الإهلاك، وفي القاموس التب والتبب والتباب والتتبيب النقص والخسار.
وأخرج ، ابن جرير عن وابن المنذر ابن عمر، تفسير ذلك بالتخسير، وكذا أخرج ومجاهد الطستي عن رضي الله تعالى عنهما إلا أنه استشهد عليه بقول ابن عباس بشر بن أبي خازم:
هم جدعوا الأنوف فأذهبوها وهم تركوا بني سعد تبابا
وحينئذ فالمعنى فما زادوهم غير تخسير أو خسارة لنفوسهم حيث استحقوا العذاب الأليم الدائم على عبادتهم لها نسأل الله تعالى العفو والعافية.