وفي أثر ذكره أنه عليه السلام لما قال: القرطبي رب السجن أحب إلي إلخ أوحى الله تعالى إليه: يا يوسف أنت جنيت على نفسك ولو قلت: العافية أحب إلي عوفيت، ولذلك رد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على من كان يسأل الصبر، فقد روى عن الترمذي معاذ بن جبل عنه عليه الصلاة والسلام أنه سمع رجلا وهو يقول: "اللهم إني أسألك الصبر، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: سألت الله تعالى البلاء فاسأله العافية".
وإلا تصرف أي وإن لم تدفع عني كيدهن في تحبيب ذلك إلي وتحسينه لدي بأن تثبتني على ما أنا عليه من العصمة والعفة أصب إليهن أي أمل على قضية الطبيعة وحكم القوة الشهوية إلى إجابتهن بمواتاتها، أو إلى أنفسهن وهو كناية عن مواتاتهن، وهذا فزع منه عليه السلام إلى ألطاف الله تعالى جريا على سنن الأنبياء عليهم السلام والصالحين في قصر نيل الخيرات والنجاة عن الشرور على جناب الله تعالى وسلب القوى والقدر عن أنفسهم ومبالغة في استدعاء لطفه سبحانه في صرف كيدهن بإظهار أنه لا طاقة له بالمدافعة كقول المستغيث: أدركني وإلا هلكت لا أنه عليه السلام يطلب الإجبار الإلجاء إلى العصمة والعفة وفي نفسه داعية تدعوه إلى السوء كذا قرره المولى أبو السعود وهو معنى لطيف، وقد أخذه من كلام لكن قال القطب وغيره: إنه فرار إلى الاعتزال وإشارة إلى جواب استدلال الأشاعرة بهذه الآية على أن العبد لا ينصرف عن المعصية إلا إذا صرفه الله تعالى، وقد قرر ذلك الإمام بما قرره فليراجع وليتأمل، وأصل (إلا) إن لا فهي مركبة من إن الشرطية ولا النافية كما أشرنا إليه، وقد أدغمت فيه النون باللام و (أصب) من صبا يصبو صبوا وصبوة إذا مال إلى الهوى، ومنه الصبا للريح المخصوصة لأن النفوس تميل إليها لطيب نسيمها وروحها، مضارع مجزوم على أنه جواب الشرط والجملة الشرطية عطف على قوله: الزمخشري السجن أحب وجيء بالأولى اسمية دون الثانية لأن أحبيته السجن مما يدعونه إليه كانت ثابتة مستمرة ولا كذلك الصرف المطلوب، وقرئ (أصب) من صبيت صبابة [ ص: 236 ] إذا عشقت، وفي البحر الصبابة إفراط الشوق كأن صاحبها ينصب فيما يهوى، والفعل مضمن معنى الميل أيضا ولذا عدي بإلى أي أصب مائلا إليهن وأكن من الجاهلين أي الذين لا يعملون بما يعلمون لأن من لا جدوى لعلمه فهو ومن لا يعلم سواء، أو من السفهاء بارتكاب ما يدعونني إليه من القبائح لأن الحكيم لا يفعل القبيح، فالجهل بمعنى السفاهة ضد الحكمة لا بمعنى عدم العلم، ومن ذلك قوله:
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا