واعترض صاحب الفرائد بأن الأصل في العدد التمييز بالإضافة فإذا وصف السبع بالعجاف فلا بد من تقدير المضاف إليه، وكل واحد من الوصف -وتقدير المضاف إليه- خلاف الأصل أما إذا أضيف كانت الصفة قائمة مقام الموصوف فقولنا: ( سبع عجاف ) في قوة قولنا: سبع بقرات عجاف، فالتمييز المطلوب بالإضافة حاصل بالإضافة إلى الصفة لقيامها مقام الموصوف، فكما يجوز سبع بقرات عجاف يجوز سبع عجاف، وإنما لم يضف لأنه قائم مقام البقرات وهي موصوفة بعجاف فكانت من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة وهي غير جائزة إلا بتأويل، وتعقب ذلك القطب بأنه هب أن الأصل في العدد التمييز بالإضافة لكن لما سبق ذكر ( سبع بقرات سمان ) تبين أن السبع العجاف بقرات فهذا السبع مميز بما تقدم فقد حصل التمييز بالإضافة فلو أضيف إلى العجاف لكان العجاف قائما مقام البقرات في التمييز فيكون التمييز بالوصف وهو خلاف الأصل، وأما إن السبع قائم مقام البقرات فإنما يكون إذا وصف بالعجاف أما إذا أضيف بكون العجاف قائمة مقام البقرات فلا يلزم إضافة الموصوف إلى الصفة اهـ، وفيه تأمل.
وذكر العلامة الطيبي في هذا المقام أنه يمكن أن يقال: إن المميز إذا وصف ثم رفع به الإبهام والإجمال من العدد آذن بأنهما مقصودان في الذكر بخلافه إذا ميز ثم وصف بل الوصف أدعى لأن المميز إنما استجلب للوصف، ومن ثم ترك التمييز في القرائن الثلاث والمقام يقتضي ذلك لأن المقصود بيان الابتلاء بالشدة بعد الرخاء، وبيان الكمية بالعدد والكيفية بالبقرات تابع فليفهم، ويعلم من ذلك وجه العدول إلى ما في النظم الكريم عن أن يقال: إني أرى سبع بقرات عجاف يأكلن سبعا سمانا الأخصر منه.
وقيل: إن التعبير بذلك بأنه أول ما رأى السمان، فقد روي أنه رأى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس ثم خرج عقيبهن سبع بقرات عجاف فابتلعت السمان ولم يتبين عليها منهن شيء.
وسبع سنبلات خضر قد انعقد حبها وأخر أي وسبعا أخر يابسات قد أدركت والتوت على الخضر حتى غلبتها ولم يبق من خضرتها شيء على ما روي، ولعل عدم التعرض لذكر العدد للاكتفاء بما ذكر من حال البقرات، ولا يجوز عطف أخر على سنبلات لأن العطف على المميز يقتضي أن يكون المعطوف والمعطوف عليه بيانا للمعدود سواء قيل: بالانسحاب أو بتكرير العامل لأن المعنى على القولين لا يختلف؛ وإنما الاختلاف في التقدير اللفظي، وحينئذ يلزم التدافع في الآية لأن العطف يقتضي أن تكون السنبلات خضرها ويابسها سبعا، ولفظ (أخر) يقتضي أن يكون غير السبع وذلك لأن تباينها في الوصف أعني الخضرة واليبس منطوق، واشتراكهما في السنبلية فيكون مقتضى لفظ (أخر) تغايرهما في العدد ولزم التدافع، وعلى هذا يصح أن تقول: عندي سبعة رجال قيام وقعود بالجر لأنك ميزت سبعة رجال موصوفين بالقيام والقعود على أن بعضهم كذا وبعضهم كذا، ولا يصح سبعة رجال قيام وآخرين قعود لما علمت، فالآية والمثال في هذا المبحث على وزان واحد كما يقتضيه كلام الكشاف، ونظر في ذلك صاحب الفرائد فقال: إن الصحيح [ ص: 250 ] أن العطف في حكم تكرير العامل لا الانسحاب فلو عطف آخرين على رجال قيام لكان سبعة مكررة في المعطوف أي وسبعة آخرين أي رجال آخرين قعود، ويفسد المعنى لأن المفروض أن الرجال سبعة، وأما الآية فلو كرر فيها وقيل: وسبع أخر أي وسبع سنبلات أخر استقام لأن الخضر سبع واليابسات سبع، نعم لو خرج ذلك على المرجوح وهو الانسحاب أدى إلى أن السبع المذكورة مميزة بسنبلات خضر وسنبلات أخر يابسات، وفسد إذ المراد أن كلا منهما سبعة لا أنها سبعة، فالمثال والآية ليسا على وزان إذ هو على تكرير العامل يفسد، وعلى الانسحاب يصح، والآية بالعكس، ثم بنى على ما زعمه من أن الصحيح قول التكرير جواز العطف.
وادعى أن الأولى أن يكون العطف على (خضر) لا على يابسات ليدل على موصوف آخر، وهو سنبلات ولا يقدر موصوفها بقرينة السياق، ولا يخفى أن الكلام إنما هو على تقدير أن يكون مميز السبع ما علمت، وعلى ذلك يلزم التدافع، ولا يبنى على فرض أنهم سبعة أو أربعة عشر فيصح في الآية ولا يصح في المثال فإنه وهم.
ومن ذلك يظهر أنه لا مدخل للتكرير والانسحاب في هذا الفرض، ثم إن المختار قول الانسحاب على ما نص عليه الشيخ وحققه في غير موضع، وأما الاستدلال بالآية على الانسحاب لا التقدير وإلا لكان لفظ (أخر) تطويلا يصان كلام الله تعالى المعجز عنه فغير سديد على ما في الكشف لأن القائل بالتقدير يدعي الظهور في الاستقلال، وكذلك القائل بالانسحاب يدعي الظهور في المقابل على ما نص عليه أئمة العربية فلا يكون التأكيد –بأخر- لإرادة النصوص تطويلا بل إطنابا يكون واقعا في حلق موقعه هذا ابن الحاجب يا أيها الملأ خطاب للأشراف ممن يظن به العلم، يروى أنه جمع السحرة والكهنة والمعبرين فقال لهم: ( يا أيها الملأ).
أفتوني في رؤياي هذه أي عبروها وبينوا حكمها وما تؤول إليه من العاقبة.
وقيل: هو خطاب لجلسائه وأهل مشورته، والتعبير عن التعبير بالإفتاء لتشريفهم وتفخيم أمر رؤياه إن كنتم للرؤيا تعبرون أي تعلمون عبارة جنس الرؤيا علما مستمرا وهي الانتقال من الصورة المشاهدة في المنام إلى ما هي صورة ومثال لها من الأمور الآفاقية والأنفسية الواقعة في الخارج من العبور وهو المجاوزة، تقول: عبرت النهر إذا قطعته وجاوزته، ونحوه أولتها أي ذكرت ما تؤول إليه وعبرت الرؤيا بالتخفيف عبارة أقوى وأعرف عند أهل اللغة من عبرت بالتشديد تعبيرا حتى أن بعضهم أنكر التشديد، ويرد عليه ما أنشده في الكامل لبعض الأعراب وهو: المبرد
رأيت رؤيا ثم عبرتها وكنت للأحلام عبارا
والجمع بين الماضي والمستقبل للدلالة على الاستمرار كما أشير إليه، واللام قيل: متعلقة بمحذوف والمقصود بذاك البيان كأنه لما قيل: تعبرون قيل: لأي شيء؟ فقيل: للرؤيا فهي للبيان كما في سقيا له إلا أن تقديم البيان على المبين لا يخلو عن شيء، وقيل -واختاره إنها لتقوية الفعل المذكور لأنه ضعف بالتأخير، ويقال لها: لام التقوية وتدخل في الفصيح على المعمول إذا تقدم على عامله مطلقا، وعلى معمول غير الفعل إذا تأخر كزيد ضارب لعمرو، وفي كونها زائدة أولا خلاف، وقيل: إنه جيء بها لتضمين الفعل المتعدي معنى فعل قاصر يتعدى باللام أي إن كنتم تنتدبون لعبارتها، وجوز أن يكون للرؤيا خبر كان كما تقول: كان [ ص: 251 ] فلان لهذا الأمر إذا كان مستقبلا به متمكنا منه، وجملة أبو حيان- تعبرون خبر آخر أو حال، ولا يخفى ما في ذلك من التكلف، وكذا فيما قبله.
وقرأ بالإدغام في الرؤيا وبابه بعد قلب الهمزة واوا ثم قلب الواو ياء لسبقها إياها ساكنة، ونصوا على شذوذ ذلك لأن الواو بدل غير لازم أبو جعفر