وما ذكره -من أن النسوة قد أجبن بجواب جيد يظهر منه براءة أنفسهن جملة وأعطين ابن عطية يوسف عليه السلام بعض براءة، وذلك أن الملك لما قررهن أنهن راودنه قلن جوابا عن ذلك وتنزيها لأنفسهن: حاش لله ويحتمل أن يكون في جهته عليه السلام، وقولهن: ما علمنا إلخ ليس بإبراء تام، وإنما هو شرح القصة على وجهها حتى يتقرر الخطأ في جهتهن- ناشئ عن الغفلة عما قرره المولى صاحب الكشف قالت امرأت العزيز وكانت حاضرة المجلس، قيل: أقبلت النسوة عليها يقررنها، وقيل: خافت أن يشهد عليها بما قالت يوم قطعن أيديهن فأقرت قائلة: الآن حصحص الحق أي ظهر وتبين بعد خفاء قاله الخليل، وهو مأخوذ من الحصة وهي القطعة من الجملة أي تبينت حصة الحق من حصة الباطل، والمراد تميز هذا عن هذا، وإلى ذلك ذهب الزجاج أيضا، وقيل: هو من حص شعره إذا استأصله بحيث ظهرت بشرة رأسه، وعلى ذلك قوله:
قد حصت البيضة رأسي فما أطعم نوما غير تهجاع
ويرجع هذا إلى الظهور أيضا، وقيل: هو من حصحص البعير إذا ألقى مباركه ليناخ، قال حميد بن ثور الهلالي يصف بعيرا:فحصحص في صم الصفا ثفناته وناء بسلمى نوءة ثم صمما
واختار الجلال السيوطي القول بإعرابه لأنه لم يثبت لبنائه علة معتبرة فهو عنده منصوب على الظرفية، وإن دخلت من جر وخروجه عن الظرفية غير ثابت، وفي الاستدلال بالحديث السابق مقال، وأياما كان فهو هنا متعلق –بحصحص- أي حصحص الحق في هذا الوقت أنا راودته عن نفسه لا أنه راودني عن نفسي، وإنما قالت ذلك بعد اعترافها تأكيدا لنزاهته عليه السلام، وكذا قولها: وإنه لمن الصادقين أي في قوله حين افتريت عليه هي راودتني عن نفسي قيل: إن الذي دعاها لذلك كله التوخي لمقابلة الاعتراف حيث لا يجدي الإنكار بالعفو، وقيل: إنها لما تناهت في حبه لم تبال بانتهاك سترها وظهور سرها، وفي إرشاد العقل السليم أنها لم ترد بقولها: (الآن) إلخ مجرد ظهور ما ظهر بشهادة النسوة من مطلق نزاهته عليه السلام فيما أحاط به علمهن من غير تعرض لنزاهته في سائر المواطن خصوصا فيما وقع فيه التشاجر بمحضر العزيز ولا بحث عن حال نفسها وما صنعت في ذلك بل أرادت ظهور ما هو متحقق في نفس الأمر وثبوته من نزاهته عليه السلام في محل النزاع وخيانتها، ولهذا قالت: أنا راودته إلخ، وأرادت –بالآن- زمان تكلمها بهذا الكلام لا زمان شهادتهن اهـ فافهم وتأمل، هل ترى فوق هذه المرتبة نزاهة حيث لم يتمالك الخصماء من الشهادة بها على أتم وجه.
والفضل ما شهدت به الخصماء.
وليت من نسب إليه السوء –وحاشاه- كان عنده عشر معشار ما كان [ ص: 261 ] عند أولئك النسوة الشاهدات من الإنصاف