ولا تيأسوا من روح الله أي لا تقنطوا من فرجه سبحانه وتنفيسه وأصل معنى الروح بالفتح كما قال التنفس يقال : أراح الإنسان إذا تنفس ثم استعير للفرج كما قيل : له تنفيس من النفس . الراغب
وقرأ عمر بن عبد العزيز والحسن ( روح ) بالضم وفسر بالرحمة على أنه استعارة من معناها المعروف لأن الرحمة سبب الحياة كالروح وإضافتها إلى الله تعالى لأنها منه سبحانه وقال وقتادة كأن معنى هذه القراءة لا تيأسوا من حي معه روح الله الذي وهبه فإن كل من بقيت روحه يرجى ومن هذا قوله : ابن عطية
وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع
وقول عبيد بن الأبرص :
وكل ذي غيبة يؤوب وغائب الموت لا يؤوب
وقرأ ( من رحمة الله ) أبي وعبد الله ( من فضل الله ) وكلاهما عند أبي حيان تفسير لا قراءة وقرئ ( تأيسوا ) وقرأ ( تيئسوا ) بكسر التاء والأمر والنهي على ما قيل إرشاد لهم إلى بعض ما أبهم في قوله : الأعرج وأعلم من الله ما لا تعلمون ثم إنه عليه السلام حذرهم عن ترك العمل بموجب نهيه بقوله : إنه أي الشأن لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون . (87) . لعدم علمهم بالله تعالى وصفاته فإن العارف لا يقنط في حال من الأحوال أو تأكيدا لما يعلمونه من ذلك قال : إن المؤمن من الله تعالى على خير يرجوه [ ص: 45 ] في البلاء ويحمده في الرخاء . ابن عباس
وذكر الإمام أن اليأس لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أن الإله غير قادر على الكمال أو غير عالم بجميع المعلومات أو ليس بكريم واعتقاد كل من هذه الثلاث يوجب الكفر فإذا كان اليأس لا يحصل إلا عند حصول أحدها وكل منها كفر ثبت أن اليأس لا يحصل إلا لمن كان كافرا واستدل بعض أصحابنا بالآية على أن اليأس من رحمة الله تعالى كفر وادعى أنها ظاهرة في ذلك .
وقال : ليس فيها دليل على ذلك بل هو ثابت بدليل آخر وجمهور الفقهاء على أن اليأس كبيرة ومفاد الآية أنه من صفات الكفار لا أن من ارتكبه كان كافرا بارتكابه وكونه لا يحصل إلا عند حصول أحد المكفرات التي ذكرها الشهاب الإمام مع كونه في حيز المنع لجواز أن ييأس من رحمة الله تعالى إياه مع إيمانه بعموم قدرته تعالى وشمول علمه وعظم كرمه جل وعلا لمجرد استعظام ذنبه مثلا واعتقاده عدم أهليته لرحمة الله تعالى من غير أن يخطر له أدنى ذرة من تلك الاعتقادات السيئة الموجبة للكفر لا يستدعي أكثر من اقتضائه سابقية الكفر دون كون ارتكابه نفسه كفرا كذا قيل وقيل : الأولى التزام القول بأن اليأس قد يجامع الإيمان وأن القول بأنه لا يحصل إلا بأحد الاعتقادات المذكورة غير بين ولا مبين .
نعم كونه كبيرة مما لا شك فيه بل جاء عن رضي الله تعالى عنه أنه أكبر الكبائر وكذا القنوط وسوء الظن وفرقوا بينها بأن اليأس عدم أمل وقوع شيء من أنواع الرحمة له والقنوط هو ذاك مع انضمام حالة هي أشد منه في التصميم على عدم الوقوع وسوء الظن هو ذاك مع انضمام أنه مع عدم رحمته له يشدد له العذاب كالكفار وذكر ابن مسعود ابن نجيم في بعض رسائله ما به يرجع الخلاف بين من قال : إن اليأس كفر ومن قال : إنه كبيرة لفظيا فقال : قد ذكر الفقهاء من الكبائر الأمن من مكر الله تعالى واليأس من رحمته وفي العقائد واليأس من رحمة الله تعالى كفر فيحتاج إلى التوفيق والجواب أن المراد باليأس إنكار سعة الرحمة للذنوب ومن الأمن الاعتقاد أن لا مكر ومراد الفقهاء من اليأس اليأس لاستعظام ذنوبه واستبعاد العفو عنها ومن الأمن الأمن لغلبة الرجاء عليه بحيث دخل في حد الأمن ثم قال والأوفق بالسنة طريق الفقهاء لحديث عن الدارقطني مرفوعا حيث عدها من الكبائر وعطفها على الإشراك بالله تعالى . اهـ . وهو تحقيق نفيس فليفهم ابن عباس