فاذكروني بالطاعة قلبا وقالبا، فيعم الذكر باللسان والقلب والجوارح، فالأول - كما في المنتخب - الحمد والتسبيح والتحميد وقراءة كتاب الله تعالى، والثاني: الفكر في الدلائل الدالة على التكاليف والوعد والوعيد وفي الصفات الإلهية والأسرار الربانية.
والثالث: استغراق الجوارح في الأعمال المأمور بها خالية عن الأعمال المنهي عنها ولكون الصلاة مشتملة على هذه الثلاثة، سماها الله – تعالى - ذكرا في قوله : فاسعوا إلى ذكر الله . وقال أهل الحقيقة : حقيقة ذكر الله - تعالى - أن ينسى كل شيء سواه. أذكركم أي: أجازكم بالثواب، وعبر عن ذلك بالذكر للمشاكلة، ولأنه نتيجته ومنشؤه، وفي الصحيحين: "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه". واشكروا لي : ما أنعمت به عليكم، وهو – واشكروني - بمعنى ، و ( لي ) أفصح مع الشكر، وإنما قدم الذكر على الشكر؛ لأن في الذكر اشتغالا بذاته – تعالى - وفي الشكر اشتغالا بنعمته، والاشتغال بذاته - تعالى - أولى من الاشتغال بنعمته.
ولا تكفرون بجحد نعمتي وعصيان أمري، وأردف الأمر بهذا النهي ليفيد عموم الأزمان، وحذف ياء المتكلم تخفيفا لتناسب الفواصل، وحذفت نون الرفع للجازم.