وقال بعض المدققين : لعل الأشبه وجه آخر وهو أن يتم الكلام عند قوله تعالى : من أناب ثم قيل : الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم في مقابلة ويقول الذين كفروا لولا أنزل وقوله سبحانه : ألا بذكر الله جملة اعتراضية تفيد كيف لا تطمئن قلوبهم له ولا اطمئنان للقلب بغيره وقوله عز وجل : الذين آمنوا بدل من الأول وفيه إشارة إلى أن ذكر الله تعالى أفضل الأعمال الصالحة بل هو كلها و طوبى لهم خبر الأول فيتم التقابل بين القرينتين ويقول الذين كفروا و الذين آمنوا وتطمئن وبين جزأي التذييل : يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب ومن الناس من زعم أن الموصول الأول مبتدأ والموصول الثاني [ ص: 151 ] خبره و ألا بذكر الله اعتراض و طوبى لهم دعاء وهو كما ترى و طوبى قيل مصدر من طاب كبشرى وزلفى والواو منقلبة من الياء كموسر وموقن وقرأ مكوزة الأعرابي ( طيبى ) ليسلم الياء وقال أبو الحسن الهنائي : هي جمع طيبة كما قالوا في كيسة كوسى وتعقبه بأن فعلى ليست من أبنية الجموع فلعله أراد أنه اسم جمع وعلى الأول فلهم في المعنى المراد عبارات فأخرج أبو حيان وغيره عن ابن جرير أن المعنى فرح وقرة عين لهم وعن ابن عباس غبطة لهم وعن الضحاك حسنى لهم وفي رواية أخرى عنه أصابوا خيرا وعن قتادة خير كثير لهم وفي رواية أخرى عنه كرامة لهم وعن النخعي سميط بن عجلان دوام الخير لهم ويرجع ذلك إلى معنى العيش الطيب لهم وفي رواية عن ابن عباس أن طوبى اسم للجنة بالحبشية وقيل بالهندية وقال وابن جبير : الصحيح أنها علم لشجرة في الجنة فقد أخرج القرطبي أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني في البعث والنشور وصححه والبيهقي السهيلي وغيره عن عتبة بن عبد قال الشام قال : لا قال : فإنها تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة تنبت على ساق واحد ثم ينتشر أعلاها قال : ما عظم أصلها قال : لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما قال : فهل فيها عنب قال : نعم قال : ما عظم العنقود منه قال : مسيرة شهر للغراب الأبقع والأخبار المصرحة بأنها شجرة في الجنة منتشرة جدا وحينئذ فلا كلام في جواز الابتداء بها وإن كانت نكرة فمسوغ الابتداء بها ما ذهب إليه جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أفي الجنة فاكهة قال : نعم فيها شجرة تدعى طوبى هي نطاق الفردوس قال : أي شجر أرضنا تشبه قال : ليس تشبه شيئا من شجر أرضك ولكن أتيت من أنه ذهب بها مذهب الدعاء كقولهم : سلام عليك إلا أنه ذهب سيبويه ابن مالك إلى أنه التزم فيها الرفع على الابتداء ورد عليه بأن عيسى الثقفي قرأ ( وحسن مآب ) . (29) . بالنصب وخرج ذلك على أنه معطوف على طوبى وأنها في موضع نصب وهي عنده مصدر معمول لمقدار أي طاب واللام لبيان كما في سقيا له ومنهم من قدر جعل طوبى لهم وقال صاحب اللوامح : إن التقدير يا طوبى لهم ويا حسن مآب فحسن معطوف على المنادى وهو مضاف للضمير واللام مقحمة كما في قوله : ثعلب
يا بؤس للجهل ضرار الأقوام
ولذلك سقط التنوين من بؤس وكأنه قيل يا طوباهم ويا حسن مآبهم أي ما أطيبهم وأحسن مآبهم كما تقول : يا طيبها ليلة أي ما أطيبها ليلة ولا يخفى ما فيه من التكلف وأجاب عن السفاقسي ابن مالك بأنه يجوز نصب ( حسن ) بمقدر أي ورزقهم حسن مآب وهو بعيد .
وقرئ ( حسن مآب ) بفتح النون ورفع مآب وخرج ذلك على أن حسن فعل ماض أصله حسن نقلت ضمة السين إلى الحاء ومثله جائز في فعل إذا كان للمدح أو الذم كما قالوا : حسن ذا