وزعم بعضهم أن ( أن ) هنا زائدة ولا يخفى ضعفه والمراد من قومه عليه السلام كما هو الظاهر بنو إسرائيل ومن إخراجهم إخراجهم بعد مهلك فرعون من الظلمات من الكفر والجهالات التي كانوا فيها وأدت بهم إلى أن يقولوا : يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة . إلى النور إلى الأيمان بالله تعالى وتوحيده وسائر ما أمروا به وقيل : أخرجهم من ظلمات النقص إلى نور الكمال وذكرهم بأيام الله أي بنعمائه وبلائه كما روي عن رضي الله تعالى عنهما واختاره ابن عباس لأنه الأنسب بالمقام والأوفق بما سيأتي إن شاء الله تعالى من الكلام والعطف على الطبري أخرج وجوز أن تكون الجملة مستأنفة والالتفات من التكلم إلى الغيبة بإضافة الأيام إلى الاسم الجليل للإيذان بفخامة شأنها والإشعار على ما قيل بعدم اختصاص ما فيها من المعاملة بالمخاطب وقومه كما يوهمه الإضافة إلى ضمير المتكلم وحاصل المعنى عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد وعن أيضا ابن عباس والربيع ومقاتل المراد بأيام الله وقائعه سبحانه ونقماته في الأمم الخالية ومن ذلك أيام وابن زيد العرب لحروبها وملاحمها كيوم ذي قار ويوم الفجار ويوم قضة وغيرها واستظهره للغلبة العرفية وأن الزمخشري العرب استعملته للوقائع وأنشد الطبرسي [ ص: 188 ] لذلك قول عمرو بن كلثوم : .
وأيام لنا غرر طوال عصينا الملك فيها أن ندينا
وأنشده للمعنى السابق وأنشد لهذا قوله : الشهاب
وأيامنا مشهورة في عدونا
وأخرج النسائي في زوائد المسند وعبد الله بن أحمد في شعب الإيمان وغيرهم عن والبيهقي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه فسر الأيام في الآية بنعم الله تعالى وآلائه وروى ذلك أبي بن كعب عن ابن المنذر ابن عباس وجعل ومجاهد من ذلك بيت أبو حيان عمرو والأظهر فيه ما ذكره الطبرسي .
وأنت تعلم أنه إن صح الحديث فعليه الفتوى لكن ذكر شيخ الإسلام في ترجيح التفسير المروي عن رضي الله تعالى عنهما أولا على ما روي ثانيا بأنه يرد الثاني ما تصدى له عليه السلام بصدد الامتثال من التذكير بكل من السراء والضراء مما جرى عليهم وعلى غيرهم حسبما يتلى بعد وهو يبعد صحة الحديث والقول بأن النقم بالنسبة إلى قوم نعم بالنسبة إلى آخرين كما قيل : ابن عباس
مصائب قوم عند قوم فوائد
.مما لا ينبغي أن يلتفت إليه عاقل في هذا المقام نعم إن قوله تعالى : اذكروا نعمة الله عليكم ظاهر في تفسير الأيام بالنعم وما يستدعي غير ذلك ستسمع فيه أقوالا لا يستدعيه على بعضها .
وزعم بعضهم أن المراد من قومه عليه السلام القبط ( والظلمات والنور ) الكفر والإيمان لا غير وقيل : قومه عليه السلام القبط وبنو إسرائيل وكان عليه السلام مبعوثا إليهم جميعا إلا أنه بعث إلى القبط بالاعتراف بوحدانية الله تعالى وأن لا يشركوا به سبحانه شيئا وإلى بني إسرائيل بذلك وبالتكليف بفروع الشريعة .
وقيل : هم بنو إسرائيل فقط إلا أن المراد من ( الظلمات والنور ) إن كانوا كلهم مؤمنين ظلمات ذل العبودية ونور عزة الدين وظهور أمر الله تعالى ونحن نقول : نسأل الله تعالى أن يخرجنا وأهل هذه الأقوال من ظلمات الجهل إلى نور العلم إن في ذلك أي في التذكير بأيام الله تعالى أو في الأيام لآيات عظيمة أو كثيرة دالة على وحدانية الله تعالى وقدرته وعلمه وحكمته وهي على الأول الأيام ومعنى كون التذكير ظرفا لها كونه مناطا لظهورها وعلى الثاني كذلك أيضا إلا أن كلمة ( في ) تجريدية أو هي عليه كل واحدة من النعماء والبلاء والمشار إليه المجموع المشتمل عليها من حيث هو مجموع وجوز أن يراد بالأيام فيما سبق أنفسها المنطوية على النعم والنقم فإذا كانت الإشارة إليها وحملت الآيات على النعماء والبلاء فأمر الظرفية ظاهر لكل صبار كثير الصبر على بلائه تعالى شكور . (5) . كثير الشكر لنعمائه عز وجل .
وقيل : المراد لكل مؤمن فعلى الأول الوصفان عبارتان لمعنيين وعلى هذا عبارة عن معنى واحد على طريق الكناية كحي مستوي القامة بادي البشرة في الكناية عن الإنسان والتعبير عن المؤمن بذلك للإشعار بأن الصبر والشكر عنوان المؤمن الدال على ما في باطنه والمراد على ما قيل لكل من يليق بكمال الصبر والشكر أو الإيمان ويصير أمره إلى ذلك لا لمن اتصف به بالفعل لأن الكلام تعليل للأمر بالتذكير المذكور السابق على التذكير المؤدي إلى تلك المرتبة فإن من تذكر ما فاض أو نزل عليه أو على ما قبله من النعمة والنقمة وتنبه لعاقبة الصبر والشكر أو الإيمان لا يكاد يفارق ذلك وتخصيص الآيات بالصبار الشكور لأنه المنتفع بها لا لأنها خافية عن غيره فإن التبيين حاصل بالنسبة إلى الكل وتقديم الصبر على الشكر لما أن الصبر مفتاح [ ص: 189 ] الفرج المقتضي للشكر وقيل : لأنه من قبيل التروك يقال : صبرت الدابة إذا حبستها بلا علف والشكر ليس كذلك فإنه كما قال تصور النعمة وإظهارها قيل : وهو مقلوب الكشر أي الكشف وقيل : أصله من عين شكرى أي ممتلئة فالشكر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه وهو على ثلاثة أضرب : شكر القلب وشكر اللسان وشكر الجوارح وذكر أن توفية شكر الله تعالى صعبة ولذلك لم يثن سبحانه بالشكر على أحد من أوليائه إلا على اثنين الراغب نوح وإبراهيم عليهما السلام وقد يكون انقسام الشكر على النعمة وعدم انقسام الصبر على النقمة وجها للتقديم والتأخير وقيل : ذلك لتقدم متعلق الصبر أعني البلاء على متعلق الشكر أعني النعماء .