وذهب الكسائي إلى أن والفراء مثل مقحم وتقدم عليه وله وقال : هو مبتدأ و الحوفي كرماد خبره وأعمالهم بدل من المبتدأ بدل اشتمال كما في قوله : .
ما للجمال مشيها وئيدا أجندلا يحملن أم حديدا
وفيه خفاء ولعله اعتبر المضاف إليه وفي الكشاف جواز كونه بدلا من مثل الذين كفروا لكن على تقدير ( مثل أعمالهم ) فيكون التقدير مثل الذين كفروا مثل أعمالهم كرماد قال في الكشف : وهو بدل الكل من الكل وذلك لأن مثلهم ومثل أعمالهم متحدان بالذات وفيه تفخيم . اهـ . وقيل : إنه على هذا التقدير أيضا بدل اشتمال [ ص: 204 ] لأن مثل أعمالهم كونها كرماد ومثلهم كون أعمالهم كرماد فلا اتحاد لكن الأول سبب للثاني فتأمل والرماد معروف وعرفه ابن عيسى بأنه جسم يسحقه الإحراق سحق الغبار ويجمع على رمد في الكثرة وأرمد في القلة وشذ جمعه على أفعلاء قالوا أرمداء كذا في البحر وذكر في القاموس أن الأرمداء كالأربعاء الرماد ولم يذكر أنه جمع والمراد بأعمالهم ما هو من باب المكارم كصلة الأرحام وعتق الرقاب وفداء الأسارى وقرى الأضياف وإغاثة الملهوفين وغير ذلك وقيل : ما فعلوه لأصنامهم من القرب بزعمهم وقيل : ما يعم هذا وذاك ولعله الأولى وجيء بالجملة على ما اختاره بعضهم جوابا لما يقال : ما بال أعمالهم التي عملوها حتى آل أمرهم إلى ذلك المآل إذ بين فيها أنها كرماد اشتدت به الريح أي حملته وأسرعت الذهاب به فاشتد بمعنى عدا والباء للتعدية أو للملابسة وجوز أن يكون من الشدة بمعنى القوة أي قويت بملابسة حمله في يوم عاصف العصف اشتداد الريح وصف به زمان هبوبها على الإسناد المجازي كنهاره صائم وليله قائم للمبالغة وقال الهروي : التقدير في يوم عاصف الريح فحذف الريح لتقدم ذكره كما في قوله :
إذ جاء يوم مظلم الشمس كاسف
والتنوين على هذا عوض من المضاف إليه وضعف هذا القول ظاهر وقيل : إن عاصف صفة الريح إلا أنه جر على الجوار وفيه أنه لا يصح وصف الريح به لاختلافهما تعريفا وتنكيرا وقرأ نافع ( الرياح ) على الجمع وبه يشتد فساد الوصفية وقرأ وأبو جعفر ابن أبي إسحاق وإبراهيم بن أبي بكر عن ( في يوم عاصف ) على الإضافة وذلك عند الحسن أبي حيان من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه والتقدير في يوم ريح عاصف وقد يقال : إنه من إضافة الموصوف إلى الصفة من غير حاجة إلى حذف عند من يرى جواز ذلك لا يقدرون أي يوم القيامة مما كسبوا في الدنيا من تلك الأعمال على شيء ما أي لا يرون له أثرا من ثواب أو تخفيف عذاب .
ويؤيد التعميم ما ورد في الصحيح عن أنها قالت : عائشة ابن جدعان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين هل ذلك نافعه قال : لا ينفعه لأنه لم يقل ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين وقيل : الكلام على حذف مضاف أي لا يقدرون من ثواب ما كسبوا على شيء ما والأول أولى وقدم المتعلق الأول للايقدرون على الثاني وعكس في البقرة لأهمية كل في آيته وذلك ظاهر لمن له أدنى بصيرة وحاصل التمثيل تشبيه أعمالهم في حبوطها وذهابها هباء منثورا لابتنائها على غير أساس من معرفة الله تعالى والإيمان به وكونها لوجهه برماد طيرته الريح العاصف وفرقته وهذه الجملة فذلكة ذلك والمقصود منه قيل : والاكتفاء ببيان عدم رؤية الأثر لأعمالهم للأصنام مع أن لها عقوبات للتصريح ببطلان اعتقادهم وزعمهم أنها شفعاء لهم عند الله تعالى وفيه تهكم بهم يا رسول الله إن ذلك أي ما دل عليه التمثيل دلالة واضحة من ضلالهم مع حسبانهم أنهم على شيء هو الضلال البعيد . (18) . عن طريق الحق والصواب وقد تقدم تمام الكلام في ذلك غير بعيد .