سقيا لها ولطيبها ولحسنها وبهائها
أيام لم يلج النوى بين العصا ولحائها
وما أحسن ما قيل :
وكانت بالعراق لنا ليال سلبناهن من ريب الزمان
جعلناهن تاريخ الليالي وعنوان المسرة والأماني
وأمره عليه السلام بتذكير ذلك ليثور غرامهم ويأخذ بهم نحو الحبيب هيامهم فقد قيل :
[ ص: 231 ]
تذكر والذكرى تشوق وذو الهوى يتوق ومن يعلق به الحب يصبه
وجوز أن يراد بأيام الله تعالى أيام تجليه جل جلاله بصفة الجلال وتذكيرهم بذلك ليخافوا فيمتثلوا ( إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) أي لكل مؤمن بالإيمان الغيبي سد الصبر والشكر على ما قيل مقامان للسالك قبل الوصول ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ) قال : أي الجوزجاني ويعم ذلك كله ما قيل : لئن شكرتم نعمة لأزيدنكم نعمة خيرا منها وللشكر مراتب وأعلى مراتبه الإقرار بالعجز عنه وفي بعض الآثار أن داود عليه السلام قال : يا رب كيف أشكرك والشكر من آلائك فأوحى الله تعالى إليه الآن شكرتني يا داود وقال حمدون : شكر النعمة أن ترى نفسك فيها طفيليا لئن شكرتم الإحسان لأزيدنكم المعرفة ولئن شكرتم المعرفة لأزيدنكم الوصلة ولئن شكرتم الوصلة لأزيدنكم القرب ولئن شكرتم القرب لأزيدنكم الأنس ( قالت رسلهم أفي الله شك ) أي أنه سبحانه لا شك فيه لأنه الظاهر في الآفاق والأنفس فاطر السماوات والأرض موجدهما ومظهرهما من كتم العدم ( يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ) ليستر بنوره سبحانه ظلمات حجب صفاتكم فلا تشكون فيه عند جلية اليقين ( ويؤخركم إلى أجل مسمى ) إلى غاية يقتضيها استعدادكم من السعادة ( قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا ) منعهم ذلك عن اتباع الرسل عليهم السلام ( قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ) سلموا لهم المشاركة في الجنس وجعلوا الموجب لاختصاصهم بالنبوة ما من الله تعالى به عليهم مما يرشحهم لذلك وكثيرا ما يقول المنكرون في حق أجلة المشايخ مثل ما قال هؤلاء الكفرة في حق رسلهم والجواب نحو هذا الجواب ( وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله ) جواب عن قول أولئك : ( فأتونا بسلطان مبين ) ويقال نحو ذلك للمنكرين الطالبين من الوالي الكرامة تعنتا ولجاجا ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) لأن الإيمان يقتضي التوكل وهو الخمود تحت الموارد وفسره بعضهم بأنه طرح القلب في الربوبية والبدن في العبودية فالمتوكل لا يريد إلا ما يريده الله تعالى ومن هنا قيل : إن الكامل لا يحب إظهار الكرامة وفي المسألة تفصيل عندهم ( وبرزوا لله جميعا ) ذكر بعضهم أن البروز متعدد فبروز عند القيامة الصغرى بموت الجسد وبروز عند القيامة الوسطى بالموت الإرادي وهو الخروج عن حجاب صفات النفس إلى عرصة القلب وبروز عند القيامة الكبرى وهو الخروج عن حجاب الآنية إلى فضاء الوحدة الحقيقية وإن حدوث التقاول بين الضعفاء والمستكبرين المشار إليه بقوله تعالى : ( فقال الضعفاء للذين استكبروا ) .. إلخ فهو بوجود المهدي القائم بالحق الفارق بين أهل الجنة والنار عند قضاء الأمر الإلهي بنجاة السعداء وهلاك الأشقياء وفسروا الشيطان بالوهم وقد يفسرونه في بعض المواضع بالنفس الأمارة والقول المقصوص عنه في الآية عند ظهور سلطان الحق وبعضهم حمل الشيطان هنا على الشيطان المعروف عند أهل الشرع وذكر أن قوله : ( فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ) دليل بقائه على الشرك حيث رأى الغير في البين وما ثم غير الله تعالى وإلى هذا يشير كلام الواسطي حيث قال : من لام نفسه فقد أشرك ويخالفه قول محمد بن حامد : النفس محل كل لائمة فمن لم يلم نفسه على الدوام ورضي عنها في حال من الأحوال فقد أهلكها يأباه ما صح في الحديث القدسي فتأمل [ ص: 232 ] يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ( وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام ) لم يذكر من يحييهم وقد ذكروا أن منهم من يحييهم ربهم وهم أهل الصفوة والقربة ومنهم من يحييهم الملائكة وهم أهل الطاعات والدرجات وما أطيب سلام المحبوب على محبه وما ألذه على قلبه : .
أشاروا بتسليم فجدنا بأنفس تسيل من الآماق والاسم أدمع
ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها إشارة كما قيل إلى كلمة التوحيد التي غرسها الحق في أرض بساتين الأرواح وجعل سبحانه أصلها هناك ثابتا بالتوفيق وفرعها في سماء القربة وسقيها من سواقي العناية وساقها المعرفة وأغصانها المحبة وأوراقها الشوق وحارسها الرعاية تؤتي أكلها في جميع الأنفاس من لطائف العبودية وعرفان أنوار الربوبية وقال بعضهم : الكلمة الطيبة النفس الطيبة أصلها ثابت بالاطمئنان وثبات الاعتقاد بالبرهان وفرعها في سماء الروح تؤتي أكلها من ثمرات المعارف والحكم والحقائق كل وقت بتسهيله تعالى ( ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ) إشارة إلى كلمة الكفر أو النفس الخبيثة وقال رضي الله تعالى عنه : الشجرة الخبيثة الشهوات وأرضها النفوس وماؤها الأمل وأوراقها الكسل وثمارها المعاصي وغايتها النار جعفر الصادق ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) قال الصادق رضي الله تعالى عنه : يثبتهم في الحياة الدنيا على الإيمان وفي الآخرة على صدق جواب الرحمن وجعل بعضهم القول الثابت قوله سبحانه وحكمه الأزلي أي يثبتهم على ما فيه تبجيلهم وتوقيرهم في الدارين حيث حكم بذلك في الأزل وحكمه سبحانه الثابت الذي لا يتغير ولا يتبدل ( ويضل الله الظالمين ) في الحياتين لسوء استعدادهم (الذين بدلوا نعمت الله) من الهداية الأصلية والنور الفطري ( كفرا ) احتجابا وضلالا ( وأحلوا قومهم ) من تابعهم واقتدى بهم في ذلك ( دار البوار ) الهلاك والحرمان ( وجعلوا لله أندادا ) من متاع الدنيا ومشتهياتها التي يحبونها كحب الله سبحانه ( ليضلوا عن سبيله ) كل من نظر إلى ذلك والتفت إليه ( الله الذي خلق السماوات ) أي سماوات الأرواح ( والأرض ) أي أرض الأجساد ( وأنزل من السماء ) أي سماء عالم القدس ( ماء ) وهو ماء العلم ( فأخرج به ) من أرض النفس ( من الثمرات ) وهي ثمرات الحكم والفضائل ( رزقا لكم ) في تقوى القلب بها ( وسخر لكم الفلك ) أي فلك العقول ( لتجري في البحر ) أي بحر آلائه وأسرار مخلوقاته الدالة على عظمته سبحانه ( وسخر لكم الأنهار ) أي أنهار العلم التي تنتهي بكم إلى ذلك البحر العظيم ( وسخر لكم الشمس ) شمس الروح ( والقمر ) قمر القلب ( دائبين ) في السير بالمكاشفة والمشاهدة ( وسخر لكم الليل ) ليل ظلمة صفات النفس ( والنهار ) نهار نور الروح لطلب المعاش والمعاد والراحة والاستنارة ( وآتاكم من كل ما سألتموه ) بلسان الاستعداد فإن المسؤول بذلك لا يمنع ( وإن تعدوا نعمة الله ) السابقة واللاحقة لا تحصوها لعدم تناهيها ( إن الإنسان لظلوم ) ينقص حق الله تعالى أو حق نفسه بإبطال الاستعداد أو يضع نور الاستعداد في ظلمة الطبيعة ومادة البقاء في محل الفناء ( كفار ) لتلك النعم التي لا تحصى لغفلته عن المنعم عليه بها وقيل : إن الإنسان لظلوم لنفسه حيث يظن أن شكره يقابل نعمه تعالى كفار محجوب عن رؤية الفضل عليه بداية ونهاية نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى ويكرمنا بالهداية والعناية