إن تحرص على هداهم خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والحرص فرط الإرادة. وقرأ «وإن» بزيادة واو وهو النخعي والحسن وأبو حيوة «تحرص» بفتح الراء مضارع حرص بكسرها وهي لغة، والجمهور تحرص بكسر الراء مضارع حرص بفتحها وهي لغة الحجاز فإن الله لا يهدي من يضل جواب للشرط على معنى فاعلم ذلك أو علة للجواب المحذوف أي إن تحرص على هداهم لم ينفع حرصك شيئا فإن الله تعالى لا يهدي من يضل، والمراد بالموصول قريش المعبر عنهم فيما مر بالذين أشركوا، ووضع الموصول موضع ضميرهم للتنصيص على أنهم ممن حقت عليهم الضلالة وللإشعار بعلة الحكم، ويجوز أن يراد به ما يشملهم ويدخلون فيه دخولا أوليا، ومعنى الآية على ما قيل: أنه سبحانه لا يخلق الهداية جبرا وقسرا فيمن يخلق فيه الضلالة بسوء اختياره ولا بد من نحو هذا التأويل لأن الحكم بدون ذلك مما لا يكاد يجهل، (ومن) على هذا مفعول (يهدي) كما هو الظاهر، وقيل: إن يهدي مضارع هدى بمعنى اهتدى فهو لازم (ومن) فاعله وضمير الفاعل في (يضل) لله تعالى والعائد محذوف أي من يضله، وقد حكي مجيء هدى بمعنى اهتدى . وقرأ غير واحد من السبعة الفراء والحسن والأعرج ومجاهد وابن سيرين والعطاردي ومزاحم الخراساني وغيرهم «لا يهدى» بالبناء للمفعول- فمن- نائب الفاعل والعائد وضمير الفاعل كما مر، وهذه القراءة أبلغ من الأولى لأنها تدل على أن من أضله الله تعالى لا يهديه كل أحد بخلاف الأولى فإنها تدل على أن الله تعالى لا يهديه فقط وإن كان من لم يهد الله فلا هادي له، وهذا- على ما قيل- إن لم نقل بلزوم هدى وأما إذا [ ص: 140 ] قلنا به فهما بمعنى إلا أن هذه صريحة في عموم الفاعل بخلاف تلك مع أن المتعدي هو الأكثر. وقرأت فرقة منهم عبد الله « (لا يهدي) » بفتح الياء وكسر الهاء والدال وتشديدها، وأصله يهتدي فأدغم كقولك في يختصم يخصم.
وقرأت فرقة أخرى «لا يهدي» بضم الياء وكسر الدال، قال : وهي ضعيفة، وتعقبه في البحر بأنه إذا ثبت هدى لازما بمعنى اهتدى لم تكن ضعيفة لأنه أدخل على اللازم همزة التعدية، فالمعنى لا يجعل مهتديا من أضله. ابن عطية
وأجيب بأنه يحتمل أن وجه الضعف عنده عدم اشتهار أهدى المزيد. وقرئ « (يضل) » بفتح الياء، وفي مصحف «فإن الله لا هادي لمن أضل» أبي وما لهم من ناصرين ينصرونهم في الهداية أو يدفعون العذاب عنهم وهو تتميم بإبطال ظن أن آلهتهم تنفعهم شيئا وضمير لهم عائد على معنى من وصيغة الجمع في الناصرين باعتبار الجمعية في الضمير فإن مقابلة الجمع بالجمع تفيد انقسام الآحاد على الآحاد لا لأن المراد نفي طائفة من الناصرين من كل منهم.