ولو يؤاخذ الله الناس الظالمين مطلقا، وقيل: بالكفر والمؤاخذة مفاعلة من فاعل بمعنى فعل وهو الظاهر، وقال : هي مجاز كأن العبد يأخذ حق الله تعالى بمعصيته والله تعالى يأخذ منه بعاقبته وكذا الحال في مؤاخذة الخلق بعضهم بعضا ابن عطية بظلمهم أي بسبب كفرهم ومعاصيهم بناء على أن الظلم فعل ما لا ينبغي ووضعه في غير موضعه وقد يخص بالكفر والتعدي على الغير ويدخل فيه ما عد من القبائح، وهذا تصريح بما أفاده قوله تعالى: وهو العزيز الحكيم وإيذان بأن ما أتاه هؤلاء الكفرة من القبائح قد تناهى إلى أمد لا غاية وراءه ما ترك عليها أي على الأرض المدلول عليها بالناس وبقوله تعالى: من دابة بناء على شهرة كون الدبيب في الأرض أي ما ترك عليها شيئا من الدواب أصلا بل أهلكها بالمرة، أما الظالم فبظلمه وأما غيره فبشؤم ذلك فقد قال سبحانه: واتقوا فتنة لا تصيبن). الذين ظلموا منكم خاصة وأخرج في الشعب وغيره عن البيهقي أنه سمع رجلا يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه فقال: بلى والله إن الحبارى لتموت هزلا [ ص: 171 ] في وكرها من ظلم الظالم، وأخرج أيضا هو فيه وغيره عن أبي هريرة قال: كاد الجعل أن يعذب في جحره بذنب ابن ابن مسعود آدم ثم قرأ الآية، وأخرج في الزهد عنه أنه قال: ذنوب ابن أحمد آدم قتلت الجعل في جحره ثم قال: إي والله زمن غرق قوم نوح عليه السلام، وقيل: المراد من دابة ظالمة على أن التنوين للنوع وهو مخصوص بالكفار والعصاة من الإنس، وقيل: منهم ومن الجن، وقيل: المراد الدابة الظالمة الفاعلة لما لا ينبغي شرعا أو عرفا فيدخل بعض الدواب إذا ضر غيره، وقالت فرقة منهم المراد بالدابة المشرك فقد قال تعالى: ابن عباس: إن شر الدواب عند الله الذين كفروا وقال الدابة على عمومها فتشمل سائر الحيوانات، والمراد بالناس الظالمون مطلقا ووجه الملازمة أنه تعالى لو آخذهم بما كسبوا من كفر أو معصية لعجل هلاكهم وحينئذ لا يبقى لهم نسل، ومن المعلوم أن لا أحد إلا وفي آبائه من يستحق العقاب وإذا هلكوا جميعا وبطل نسلهم لا يبقى أحد من الناس وحينئذ يهلك الدواب لأنها مخلوقة لمنافع العباد ومصالحهم كما يشعر به قوله تعالى: الجبائي: خلق لكم ما في الأرض جميعا وبتخصيص الناس يسقط الاستدلال بالآية على عدم وقال بعض المحققين: لا حاجة إلى التخصيص في ذلك والآية من باب بنو تميم قتلوا قتيلا لتظافر الأدلة والنصوص على عصمة الأنبياء عليهم السلام. فلا يقال: الأصل الحمل على الحقيقة. عصمة الأنبياء عليهم السلام،
واستدل بعضهم للتخصيص بقوله تعالى: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات وإلا يفسد التقسيم، وقد يقال: إنه ما أحد إلا وهو متصف بظلم إلا أن مراتبه مختلفة فحسنات الأبرار سيئات المقربين، والعصمة التي تدعى للأنبياء عليهم السلام إنما هي العصمة مما يعد ذنبا بالنسبة إلى غيرهم وأما العصمة مما يعد ذنبا بالنسبة إلى مقامهم ومرتبتهم فلا تدعى لهم إذ قد وقع ذلك منهم كما يشهد به كثير من الآيات، وأخرج عن ابن مردويه قال: « أبي هريرة وعيسى ابن مريم بذنوبنا- وفي لفظ- بما جنت هاتان الإبهام والتي تليها لعذبنا ما يظلمنا شيئا ». قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أن الله تعالى يؤاخذني
نعم إنه لا يقال لنبي هو ظالم ولا للأنبياء عليهم السلام هم ظالمون ويقال الناس ظالمون وهذا نظير قولهم: لا يقال لله سبحانه خالق القردة والخنازير ويقال هو خالق كل شيء، ورب شيء يجوز تبعا ولا يجوز استقلالا، وأمر التقسيم هين عند المتأمل فليتأمل، ومن الناس من احتج بالآية على أن أصل المضمار الحرمة إذ لو كان الضرر مشروعا فإما أن يكون مشروعا على وجه يكون جزاء على جرم أو لا وكلا القسمين باطل، أما الأول فللآية وذلك من وجهين:
الأول أنها لمكان لو تقتضي أن تعالى ما آخذ الناس بظلمهم وأنه ترك على ظهرها دابة. الثاني أن مقتضى المؤاخذة عدم ترك دابة على ظهرها ونحن نشاهد أنه سبحانه قد ترك كثيرا من الدواب فيجب القطع بأنه تعالى لم يؤاخذ بالظلم، وأما الثاني فباطل بالإجماع فثبت بمقتضى آية تحريم المضار، ويؤكد ذلك آيات أخر وأخبار وحينئذ يقال: إذا وقعت حادثة مشتملة على الضرر من جميع الوجوه فإن وجدنا نصا يدل على كونه مشروعا قضينا به تقديما للخاص على العام وإلا قضينا بالحرمة بناء على الأصل الذي قرر. واستدل بها المعتزلة على أن العباد خالقون لأفعالهم ووجه مع رده غني عن البيان ولكن لا يؤاخذهم بذلك بل يؤخرهم إلى أجل مسمى سماه سبحانه وعينه لأعمالهم أو لعذابهم كي يتوالدوا أو يكثر عذابهم فإذا جاء أجلهم المسمى لا يستأخرون عنه ساعة أقل مدة ولا يستقدمون عليه، وقد مر الكلام في نظيرها