ويعبدون من دون الله قال : هو استئناف إخبار عن حالهم في عبادة الأصنام وفيه تبيين لقوله تعالى: أبو حيان أفبالباطل يؤمنون وقال بعض أجلة المحققين: لعله عطف على ( يكفرون ) داخل تحت الإنكار التوبيخي أي أيكفرون بنعمة الله ويعبدون من دونه سبحانه ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا أي ما لا يقدر أن يرزقهم شيئا لا من السماوات مطرا ولا من [ ص: 193 ] الأرض نباتا- فرزقا- مصدر، (وشيئا) نصب على المفعولية له وإلى ذلك ذهب . وغيره. وتعقبه أبو علي ابن الطراوة بأن الرزق هو المرزوق كالرعي والطحن والمصدر إنما هو الرزق بفتح الراء كالرعي والطحن. ورد عليه بأن مكسور الراء مصدر أيضا كالعلم وسمع ذلك فيه فصح أن يعمل في المفعول، وقيل: هو اسم مصدر والكوفي يجوز عمله في المفعول- فشيئا- مفعوله على رأيهم، وجوز أن يكون بمعنى مرزوق (وشيئا) بدل منه أي لا يملك لهم شيئا. وأورد عليه السمين وأبو حيان أنه غير مفيد إذ من المعلوم أن الرزق من الأشياء والبدل يأتي لأحد شيئين البيان والتأكيد وليسا بموجودين هنا. وأجيب بأن تنوين ( شيئا ) للتقليل والتحقير فإن كان تنوين ( رزقا ) كذلك فهو مؤكد وإلا فمبين وحينئذ فيصح فيه أن يكون بدل بعض أو كل ولا إشكال.
وجوز أن يكون ( شيئا ) مفعولا مطلقا لـ يملك أي لا يملك شيئا من الملك (ومن السماوات) إما متعلق بقوله تعالى: ( لا يملك ) أو بمحذوف وقع صفة- لرزقا- أي رزقا كائنا منهما، وإطلاق الرزق على المطر لأنه ينشأ عنه.
ولا يستطيعون جوز أن يكون عطفا على صلة (ما) وأن يكون مستأنفا للإخبار عن حال الآلهة، واستطاع متعد ومفعوله محذوف هو ضمير الملك أي لا يستطيعون أن يملكوا ذلك ولا يمكنهم، فالكلام تتميم لسابقه وفيه من الترقي ما فيه فلا يكون نفي استطاعة الملك بعد نفي ملك الرزق غير محتاج إليه، وإن جعل المفعول ضمير الرزق كما جوزه في الكشاف يكون هذا النفي تأكيدا لما قبله. وأورد عليه أنه قد قرر في المعاني أن حرف العطف لا يدخل بين المؤكد والمؤكد لما بينهما من كمال الاتصال. ودفع بأن ذلك غير مسلم عند النحاة وليس مطلقا عند أهل المعاني، ألا ترى قوله تعالى: كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون [النبأ: 4، 5] نعم يرد عليه حديث أن التأسيس خير من التأكيد، ويجوز ولعله الأولى أن يكون الفعل منزلا منزلة اللازم فيكون المراد نفي الاستطاعة عنهم مطلقا على حد يعطي ويمنع فالمعنى أنهم أموات لا قدرة لهم أصلا فيكون تذييلا للكلام السابق، وفيه ما فيه على الوجه الأول وزيادة.
وجمع الضمير فيه وتوحيده في لا ( لا يملك ) لرعاية جانب اللفظ أولا والمعنى ثانيا فإن «ما» مفرد بمعنى الآلهة ومثل هذه الرعاية وارد في الفصيح وإن أنكره بعضهم لما يلزمه من الإجمال بعد البيان المخالف للبلاغة فإنه مردود كما بين في محله، وقد روعي أيضا في التعبير حال معبوداتهم في نفس الأمر فإنها أحجار وجمادات فعبر عنها- بما- الموضوعة في المشهور لغير العالم وحالها باعتبار اعتقادهم فيها أنها آلهة فعبر عنها بضمير الجمع الموضوع لذوي العلم، هذا إذا كان المراد بما الأصنام، ولا يخفى عليك الحال إذا كان المراد بها المعبودات الباطلة مطلقا ملكا كانت أو بشرا أو حجرا أو غيرها.
وجوز أن يكون ضمير الجمع عائدا على الكفار كضمير ( يعبدون ) و(ما) على المعنى المشهور فيها على معنى أنهم مع كونهم أحياء متصرفين في الأمور لا يستطيعون من ذلك شيئا فكيف بالجماد الذي لا حس له، فجملة لا ( يستطيعون ) معترضة لتأكيد نفي الملك عن الآلهة والمفعول محذوف كما أشير إليه، وهذا وإن كان خلاف الظاهر لكنه سالم عن مخالفة المشهور في العود على المعنى بعد مراعاة اللفظ