هذا ومن باب الإشارة في الآيات:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=54ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون بنسبة ذلك إلى غيره سبحانه ورؤيته منه
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=55ليكفروا بما آتيناهم من النعمة بالغفلة عن منعمها
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=55فتمتعوا فسوف تعلمون وبال ذلك أو فسوف تعلمون بظهور التوحيد أن لا تأثير لغيره تعالى في شيء
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56ويجعلون لما لا يعلمون فيعتقدون فيه من الجهالات ما يعتقدون وهو السوي
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56نصيبا مما رزقناهم فيقولون: هو أعطاني كذا ولو لم يعطني لكان كذا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=66وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين الإشارة فيه على ما في أسرار القرآن إلى ما تشربه الأرواح مما يحصل في العقول الصافية بين النفس والقلب من زلال بحر المشاهدة وهناك منازل اعتبار المعتبرين، والإشارة في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=67ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا على ما فيه أيضا إلى ما تتخذه الأرواح والأسرار من ثمرات نخيل القلوب وأعناب العقول من خمر المحبة والأنس الآخذة بها إلى حضيرة القدس:
ولو نضحوا منها ثرى قبر ميت لعادت إليه الروح وانتعش الجسم
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وأوحى ربك إلى النحل قيل أي نحل الأرواح
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68أن اتخذي من الجبال أي جبال أنوار الذات
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68بيوتا مقار لـ تسكنين فيها
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68ومن الشجر أي ومن أشجار أنوار الصفات
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68ومما يعرشون أنوار عروش الأفعال
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69ثم كلي من كل الثمرات أي من ثمرات تلك الأشجار الصفاتية ونور بهاء الأنوار الذاتية وأزهار الأنوار الإفعالية
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69فاسلكي سبل ربك وهي صحارى قدسه تعالى وبراري جلاله جل شأنه
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69ذللا منقادة لما أمرت به
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69يخرج من بطونها شراب وهو شراب معرفته تعالى بقدم جلاله وعز بقائه وتقدس ذاته سبحانه
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69مختلف ألوانه [ ص: 210 ] باختلاف الثمرات
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69فيه شفاء للناس لكل مريض المحبة وسقيم الإلفة ولديغ الشوق، وقيل: الإشارة بالنحل إلى الذين هم في مبادي السلوك من أرباب الاستعداد، ومن هنا قال الشيخ الأكبر قدس سره في مولانا ابن الفارض قدس سره حين سئل عنه: نحلة تدندن حول الحمى أمرهم الله تعالى أولا أن يتخذوا مقارا من العقائد الدينية التي هي كالجبال في الرسوخ والثبات ومن العبادات الشرعية التي هي كالشجر في التشعب ومن المعاملات المرضية التي هي كالعروش في الارتفاع ثم يسلكوا سبله سبحانه وطرقه الموصلة إليه جل شأنه من تهذيب الباطن والمراقبة والفكر ونحو ذلك متذللين خاضعين غير معجبين، وفي ذلك إشارة إلى أن السلوك إنما يصح بعد تصحيح العقائد ومعرفة الأحكام الشرعية ليكون السالك على بصيرة في أمره وإلا فهو كمن ركب متن عمياء وخبط خبط عشواء، ومتى سلك على ذلك الوجه حصل له الفوز بالمطلوب وتفجرت ينابيع الحكمة من قلبه وصار ما يقذف به قلبه كالعسل شفاء من علل الشهوات وأمراض النفس لا سيما مرض التثبط والتكاسل عن العبادة وهو المرض البلغمي.
وقال
أبو بكر الوراق: النحلة لما اتبعت الأمر وسلكت سبل ربها على ما أمرت به جعل لعابها شفاء للناس كذلك المؤمن إذا اتبع الأمر وحفظ السر وأقبل على ربه عز وجل جعل رؤيته وكلامه ومجالسته شفاء للخلق فمن نظر إليه اعتبر ومن سمع كلامه اتعظ ومن جالسه سعد انتهى. وفي الآية إشارة أيضا إلى أنه تعالى قد يودع الشخص الحقير الشيء العزيز فإنه سبحانه أودع النحل وهي من أحقر الحيوانات وأضعفها العسل وهو من ألذ المذوقات وأحلاها فلا ينبغي التقيد بالصور والاحتجاب بالهيئات، وفي الحديث «
nindex.php?page=hadith&LINKID=907776رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله تعالى لأبره ».
وعن يعسوب المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71والله فضل بعضكم على بعض في الرزق قيل: الإشارة فيه إلى تفاوت أرزاق السالكين فرزق بعضهم طاعات، وبعض آخر مقامات وبعض حالات وبعض مكاشفات وبعض مشاهدات وبعض معرفة وبعض محبة وبعض توحيد إلى غير ذلك، وذكروا أن رزق الأشباح العبودية ورزق الأرواح رؤية أنوار الربوبية ورزق العقول الأفكار ورزق القلوب الأذكار ورزق الأسرار حقائق العلوم الغيبية المكشوفة لها في مجالس القرب ومشاهدة الغيب
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=74فلا تضربوا لله الأمثال لتقدسه تعالى عن الأوهام والإشارات والعبارات وتنزهه سبحانه عن درك الخليقة فإن الخلق لا يدرك إلا خلقا، ولذا قال علي كرم الله تعالى وجهه: إنما تحد الأدوات أنفسها وتشير الآلات إلى نظائرها فلا يعرف الله تعالى إلا الله عز وجل. وعلل النهي بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=74إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75ضرب الله مثلا عبدا مملوكا محبا لغير الله تعالى ولا شك أن المحب أسير بيد المحبوب لا يقدر على شيء لأنه مقيد بوثاق المحبة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75ومن رزقناه منا رزقا حسنا فجعلناه محبا لنا مقبلا بقلبه علينا متجردا عما سوانا وآتيناه من لدنا علما
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75فهو ينفق منه سرا وذلك من النعم الباطنة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75وجهرا وذلك من النعم الظاهرة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا استعداد فيه للنطق وهو مثل المشرك
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76لا يقدر على شيء لعدم استطاعته وقصور قوته للنقص اللازم لاستعداده
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76وهو كل على مولاه لعجزه بالطبع عن تحصيل حاجة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76أينما يوجهه لا يأت بخير لعدم استعداده وشرارته بالطبع فلا يناسب إلا الشر الذي هو العدم
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو الموحد القائم بالله تعالى الفاني عن غيره، والعدل على ما قيل: ظل الوحدة في عالم الكثرة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76وهو على صراط مستقيم صراط العزيز الحميد الذي عليه خاصته تعالى من أهل البقاء بعد الفناء الممدود على نار الطبيعة لأهل الحقيقة يمرون عليه كالبرق اللامع
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77ولله غيب السماوات والأرض علم مراتب الغيوب أو ما غاب من حقيقتهما أو ما خفي فيهما من أمر
[ ص: 211 ] القيامة الكبرى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77وما أمر الساعة أي القيامة الكبرى بالقياس إلى الأمور الزمانية
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77إلا كلمح البصر أو هو أقرب وهو بناء على التمثيل وإلا فقد قيل: إن أمر الساعة ليس بزماني وما كان كذلك يدركه من يدركه لا في الزمان
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77إن الله على كل شيء قدير ومن ذلك أمر الساعة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا الآية، قال في أسرار القرآن: أخبر سبحانه أنه أخرجهم من بطون الأقدار وأرحام العدم وأصلاب المشيئة على نعت الجهل لا يعلمون شيئا من أحكام الربوبية وأمور العبودية وأوصاف الأزل فألبسهم أسماعا من نور سمعه وكساهم أبصارا من نور بصره وأودع في قلوبهم علوم غيبته لعلهم يشكرونه انتهى. وهو ظاهر في أن المراد بالأفئدة القلوب.
وذكر بعض من أدركناه من المرتاضين في كتابه الفوائد وشرحه أن مشاعر الإنسان الصدر، والمراد به الخيال والنفس الكلية التي هي محل الصور العلمية كلية أو جزئية فهو محل العلم المقابل للجهل، والقلب وهو محل المعاني واليقين بالنسب الحكمية ويقابله الشك والريب، والفؤاد وهو محل المعارف الإلهية المجرد عن جميع الصور والنسب والأوضاع والإشارات والجهات والأوقات ويقابلها الإنكار وهو أعلى المشاعر، ونور الله تعالى المشار إليه بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=665422اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى ».
وهو الوجود لأنه الجهة العليا من الإنسان أعني وجهه من جهة ربه وبه يعرف الله تعالى وهو في الإنسان بمنزلة الملك في المدينة والقلب بمنزلة الوزير له انتهى، وله أيضا كلام في الأم وكذا في الأب غير ما ذكر، وذلك أنه يطلق الأب على المادة والأم على الصورة، وزعم أن قول الصادق رضي الله تعالى عنه: إن الله تعالى خلق المؤمنين من نوره وصبغهم في رحمته فالمؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمه أبوه النور وأمه الرحمة إشارة إلى ذلك وأن ما اصطلح عليه المتقدمون والحكماء من أن الأب هو الصورة والأم هي المادة وأن الصورة إذا نكحت المادة تولد عنهما الشيء توهما منهم أن النشور والخلق في بطن المادة بعيدة من جهة المناسبة إلى آخر ما قال فتفطن وإياك أن تعدل عن الطريق السوي
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء فيه إشارة إلى تسخير طير القوى الروحانية والنفسانية من الفكر والعقل النظري والعملي بل الوهم والتخيل في فضاء عالم الأرواح
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79ما يمسكهن من غير تعلق بمادة لا اعتماد على جسم ثقيل
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79إلا الله عز وجل
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81والله جعل لكم مما خلق ظلالا وهو ما يستظل به من وهج نار الحاجة فالماء ظل للعطشان والطعام ظل للجيعان وكل ما يقوم بحاجة شخص ظل له، وفي الخبر
السلطان ظل الله تعالى في الأرض يأوي إليه كل مظلوم، وقيل: الظلال الأولياء يستظل بهم المريدون من شدة حر الهجران ويأوون إليهم من قهر الطغيان، وقد يؤول قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وجعل لكم من الجبال أكنانا بنحو هذا فما أشبه الأولياء بالجبال
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر فيه إشارة إلى ما جعل للعارفين من سرابيل روح الأنس لئلا يحترقوا بنيران القدس وأشار تعالى بقوله جل جلاله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وسرابيل تقيكم بأسكم إلى ما من به من المعرفة والمحبة ليدفع بذلك كيد الشياطين والنفوس
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون تنقادون لأمره سبحانه في العبودية وتخضعون لعز الربوبية، قال
ابن عطاء: تمام النعمة السكون إلى المنعم، وقال حمدون: تمامها في الدنيا المعرفة وفي الآخرة الرؤية، وقال
أبو محمد الحريري: تمامها خلو القلب من الشرك الخفي وسلامة
[ ص: 212 ] النفس من الرياء والسمعة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83يعرفون نعمت الله وهي هداية النبي أو وجوده بقوة الفطرة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83ثم ينكرونها لعنادهم وغلبة صفات نفوسهم
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83وأكثرهم الكافرون لشهادة فطرهم بحقيقته
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=84ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا في الاعتذار عن التخلف عن دعوته إذ لا عذر لهم
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=84ولا هم يستعتبون لأنهم قد حق عليهم القول بمقتضى استعدادهم نسأل الله تعالى العفو والعافية
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=87وألقوا إلى الله يومئذ السلم قيل: هذا في الموقف الثاني حين تضعف غواشي أنفسهم المظلمة وترق حجبها الكثيفة وأما في الموقف الأول حين قوة هيئات الرذائل وشدة شكيمة النفس في الشيطنة فلا يستسلمون كما يشير إليه قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=18يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم وقيل: المستسلمون بعض والحالفون بعض فافهم والله تعالى أعلم.
هَذَا وَمِنْ بَابِ الْإِشَارَةِ فِي الْآيَاتِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=54ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ بِنِسْبَةِ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ سُبْحَانَهُ وَرُؤْيَتِهِ مِنْهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=55لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ مِنَ النِّعْمَةِ بِالْغَفْلَةِ عَنْ مُنْعِمِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=55فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ وَبَالَ ذَلِكَ أَوْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ بِظُهُورِ التَّوْحِيدِ أَنْ لَا تَأْثِيرَ لِغَيْرِهِ تَعَالَى فِي شَيْءٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ فَيَعْتَقِدُونَ فِيهِ مِنَ الْجَهَالَاتِ مَا يَعْتَقِدُونَ وَهُوَ السَّوِيُّ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=56نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ فَيَقُولُونَ: هُوَ أَعْطَانِي كَذَا وَلَوْ لَمْ يُعْطِنِي لَكَانَ كَذَا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=66وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ الْإِشَارَةُ فِيهِ عَلَى مَا فِي أَسْرَارِ الْقُرْآنِ إِلَى مَا تَشْرَبُهُ الْأَرْوَاحُ مِمَّا يَحْصُلُ فِي الْعُقُولِ الصَّافِيَةِ بَيْنَ النَّفْسِ وَالْقَلْبِ مِنْ زُلَالِ بَحْرِ الْمُشَاهَدَةِ وَهُنَاكَ مَنَازِلُ اعْتِبَارِ الْمُعْتَبِرِينَ، وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=67وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا عَلَى مَا فِيهِ أَيْضًا إِلَى مَا تَتَّخِذُهُ الْأَرْوَاحُ وَالْأَسْرَارُ مِنْ ثَمَرَاتِ نَخِيلِ الْقُلُوبِ وَأَعْنَابِ الْعُقُولِ مِنْ خَمْرِ الْمَحَبَّةِ وَالْأُنْسِ الْآخِذَةِ بِهَا إِلَى حَضِيرَةِ الْقُدْسِ:
وَلَوْ نَضَحُوا مِنْهَا ثَرَى قَبْرِ مَيِّتٍ لَعَادَتْ إِلَيْهِ الرُّوحُ وَانْتَعَشَ الْجِسْمُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ قِيلَ أَيْ نَحْلَ الْأَرْوَاحِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ أَيْ جِبَالِ أَنْوَارِ الذَّاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68بُيُوتًا مَقَارُّ لِـ تَسْكُنِينَ فِيهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وَمِنَ الشَّجَرِ أَيْ وَمِنْ أَشْجَارِ أَنْوَارِ الصِّفَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=68وَمِمَّا يَعْرِشُونَ أَنْوَارُ عُرُوشِ الْأَفْعَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ أَيْ مِنْ ثَمَرَاتِ تِلْكَ الْأَشْجَارِ الصَّفَاتِيَّةِ وَنُورِ بَهَاءِ الْأَنْوَارِ الذَّاتِيَّةِ وَأَزْهَارِ الْأَنْوَارِ الْإِفْعَالِيَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ وَهِيَ صَحَارَى قُدْسِهِ تَعَالَى وَبَرَارِي جَلَالِهِ جَلَّ شَأْنُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69ذُلُلا مُنْقَادَةً لِمَا أُمِرَتْ بِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ وَهُوَ شَرَابُ مَعْرِفَتِهِ تَعَالَى بِقِدَمِ جَلَالِهِ وَعِزِّ بَقَائِهِ وَتَقَدُّسِ ذَاتِهِ سُبْحَانَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ [ ص: 210 ] بِاخْتِلَافِ الثَّمَرَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=69فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ لِكُلِّ مَرِيضِ الْمَحَبَّةِ وَسَقِيمِ الْإِلْفَةِ وَلَدِيغِ الشَّوْقِ، وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ بِالنَّحْلِ إِلَى الَّذِينَ هُمْ فِي مَبَادِي السُّلُوكِ مِنْ أَرْبَابِ الِاسْتِعْدَادِ، وَمِنْ هُنَا قَالَ الشَّيْخُ الْأَكْبَرُ قُدِّسَ سِرُّهُ فِي مَوْلَانَا ابْنِ الْفَارِضِ قُدِّسَ سِرُّهُ حِينَ سُئِلَ عَنْهُ: نَحْلَةٌ تُدَنْدِنُ حَوْلَ الْحِمَى أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَوَّلًا أَنْ يَتَّخِذُوا مَقَارًّا مِنَ الْعَقَائِدِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي هِيَ كَالْجِبَالِ فِي الرُّسُوخِ وَالثَّبَاتِ وَمِنَ الْعِبَادَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ كَالشَّجَرِ فِي التَّشَعُّبِ وَمِنَ الْمُعَامَلَاتِ الْمَرْضِيَّةِ الَّتِي هِيَ كَالْعُرُوشِ فِي الِارْتِفَاعِ ثُمَّ يَسْلُكُوا سُبُلَهُ سُبْحَانَهُ وَطُرُقَهُ الْمُوَصِّلَةَ إِلَيْهِ جَلَّ شَأْنُهُ مِنْ تَهْذِيبِ الْبَاطِنِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَالْفِكْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مُتَذَلِّلِينَ خَاضِعِينَ غَيْرَ مُعْجَبِينَ، وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ السُّلُوكَ إِنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ تَصْحِيحِ الْعَقَائِدِ وَمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِيَكُونَ السَّالِكُ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي أَمْرِهِ وَإِلَّا فَهُوَ كَمَنْ رَكِبَ مَتْنَ عَمْيَاءَ وَخَبَطَ خَبْطَ عَشْوَاءَ، وَمَتَى سَلَكَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ حَصَلَ لَهُ الْفَوْزُ بِالْمَطْلُوبِ وَتَفَجَّرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ وَصَارَ مَا يَقْذِفُ بِهِ قَلْبُهُ كَالْعَسَلِ شِفَاءً مِنْ عِلَلِ الشَّهَوَاتِ وَأَمْرَاضِ النَّفْسِ لَا سِيَّمَا مَرَضُ التَّثَبُّطِ وَالتَّكَاسُلِ عَنِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْمَرَضُ الْبَلْغَمِيُّ.
وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: النَّحْلَةُ لَمَّا اتَّبَعَتِ الْأَمْرَ وَسَلَكَتْ سُبُلَ رَبِّهَا عَلَى مَا أُمِرَتْ بِهِ جُعِلَ لُعَابُهَا شِفَاءً لِلنَّاسِ كَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ إِذَا اتَّبَعَ الْأَمْرَ وَحَفِظَ السِّرَّ وَأَقْبَلَ عَلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ جُعِلَ رُؤْيَتُهُ وَكَلَامُهُ وَمُجَالَسَتُهُ شِفَاءٌ لِلْخَلْقِ فَمَنْ نَظَرَ إِلَيْهِ اعْتَبَرَ وَمَنْ سَمِعَ كَلَامَهُ اتَّعَظَ وَمَنْ جَالَسَهُ سَعِدَ انْتَهَى. وَفِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ أَيْضًا إِلَى أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يُودِعُ الشَّخْصَ الْحَقِيرَ الشَّيْءَ الْعَزِيزَ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَوْدَعَ النَّحْلَ وَهِيَ مِنْ أَحْقَرِ الْحَيَوَانَاتِ وَأَضْعَفِهَا الْعَسَلَ وَهُوَ مِنْ أَلَذِّ الْمَذُوقَاتِ وَأَحَلَاهَا فَلَا يَنْبَغِي التَّقَيُّدُ بِالصُّوَرِ وَالِاحْتِجَابُ بِالْهَيْئَاتِ، وَفِي الْحَدِيثِ «
nindex.php?page=hadith&LINKID=907776رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَأَبَرَّهُ ».
وَعَنْ يَعْسُوبِ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ لَا تَنْظُرْ إِلَى مَنْ قَالَ وَانْظُرْ إِلَى مَا قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=71وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ قِيلَ: الْإِشَارَةُ فِيهِ إِلَى تَفَاوُتٍ أَرْزَاقِ السَّالِكِينَ فَرِزْقُ بَعْضِهِمْ طَاعَاتٌ، وَبَعْضٍ آخَرَ مَقَامَاتٌ وَبَعْضٍ حَالَاتٌ وَبَعْضٍ مُكَاشَفَاتٌ وَبَعْضٍ مُشَاهَدَاتٌ وَبَعْضٍ مَعْرِفَةٌ وَبَعْضٍ مَحَبَّةٌ وَبَعْضٍ تَوْحِيدٌ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَذَكَرُوا أَنَّ رِزْقَ الْأَشْبَاحِ الْعُبُودِيَّةُ وَرِزْقَ الْأَرْوَاحِ رُؤْيَةُ أَنْوَارِ الرُّبُوبِيَّةِ وَرِزْقَ الْعُقُولِ الْأَفْكَارُ وَرِزْقَ الْقُلُوبِ الْأَذْكَارُ وَرِزْقَ الْأَسْرَارِ حَقَائِقُ الْعُلُومِ الْغَيْبِيَّةِ الْمَكْشُوفَةِ لَهَا فِي مَجَالِسِ الْقُرْبِ وَمُشَاهَدَةِ الْغَيْبِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=74فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ لِتَقَدُّسِهِ تَعَالَى عَنِ الْأَوْهَامِ وَالْإِشَارَاتِ وَالْعِبَارَاتِ وَتَنَزُّهِهِ سُبْحَانَهُ عَنْ دَرْكِ الْخَلِيقَةِ فَإِنَّ الْخَلْقَ لَا يُدْرِكُ إِلَّا خَلْقًا، وَلِذَا قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ: إِنَّمَا تَحُدُّ الْأَدَوَاتُ أَنْفُسَهَا وَتُشِيرُ الْآلَاتُ إِلَى نَظَائِرِهَا فَلَا يَعْرِفُ اللَّهَ تَعَالَى إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَعُلِّلَ النَّهْيُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=74إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا مُحِبًّا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُحِبَّ أَسِيرٌ بِيَدِ الْمَحْبُوبِ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِوِثَاقِ الْمَحَبَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَجَعَلْنَاهُ مُحِبًّا لَنَا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ عَلَيْنَا مُتَجَرِّدًا عَمَّا سِوَانَا وَآتَيْنَاهُ مِنْ لَدَنَا عِلْمًا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ الْبَاطِنَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=75وَجَهْرًا وَذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ الظَّاهِرَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا اسْتِعْدَادَ فِيهِ لِلنُّطْقِ وَهُوَ مِثْلُ الْمُشْرِكِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ وَقُصُورِ قُوَّتِهِ لِلنَّقْصِ اللَّازِمِ لِاسْتِعْدَادِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ لِعَجْزِهِ بِالطَّبْعِ عَنْ تَحْصِيلِ حَاجَةٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ لِعَدَمِ اسْتِعْدَادِهِ وَشِرَارَتِهِ بِالطَّبْعِ فَلَا يُنَاسِبُ إِلَّا الشَّرُّ الَّذِي هُوَ الْعَدَمُ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ الْمُوَحِّدُ الْقَائِمُ بِاللَّهِ تَعَالَى الْفَانِي عَنْ غَيْرِهِ، وَالْعَدْلُ عَلَى مَا قِيلَ: ظِلُّ الْوَحْدَةِ فِي عَالَمِ الْكَثْرَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=76وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي عَلَيْهِ خَاصَّتُهُ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْبَقَاءِ بَعْدَ الْفَنَاءِ الْمَمْدُودِ عَلَى نَارِ الطَّبِيعَةِ لِأَهْلِ الْحَقِيقَةِ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ كَالْبَرْقِ اللَّامِعِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عِلْمُ مَرَاتِبِ الْغُيُوبِ أَوْ مَا غَابَ مِنْ حَقِيقَتِهِمَا أَوْ مَا خَفِيَ فِيهِمَا مِنْ أَمْرِ
[ ص: 211 ] الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ أَيِ الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى بِالْقِيَاسِ إِلَى الْأُمُورِ الزَّمَانِيَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى التَّمْثِيلِ وَإِلَّا فَقَدَ قِيلَ: إِنَّ أَمْرَ السَّاعَةِ لَيْسَ بِزَمَانِيٍّ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ يُدْرِكُهُ مَنْ يُدْرِكُهُ لَا فِي الزَّمَانِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=77إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَمْرُ السَّاعَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا الْآيَةَ، قَالَ فِي أَسْرَارِ الْقُرْآنِ: أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ أَخْرَجَهُمْ مِنْ بُطُونِ الْأَقْدَارِ وَأَرْحَامِ الْعَدَمِ وَأَصْلَابِ الْمَشِيئَةِ عَلَى نَعْتِ الْجَهْلِ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الرُّبُوبِيَّةِ وَأُمُورِ الْعُبُودِيَّةِ وَأَوْصَافِ الْأَزَلِ فَأَلْبَسَهُمْ أَسْمَاعًا مِنْ نُورٍ سَمْعِهِ وَكَسَاهُمْ أَبْصَارًا مِنْ نُورِ بَصَرِهِ وَأَوْدَعَ فِي قُلُوبِهِمْ عُلُومَ غَيْبَتِهِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَهُ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَفْئِدَةِ الْقُلُوبُ.
وَذَكَرَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ مِنَ الْمُرْتَاضِينَ فِي كِتَابِهِ الْفَوَائِدِ وَشَرْحِهِ أَنَّ مَشَاعِرَ الْإِنْسَانِ الصَّدْرُ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْخَيَالُ وَالنَّفْسُ الْكُلِّيَّةُ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الصُّوَرِ الْعِلْمِيَّةِ كُلِّيَّةً أَوْ جُزْئِيَّةً فَهُوَ مَحَلُّ الْعِلْمِ الْمُقَابِلِ لِلْجَهْلِ، وَالْقَلْبُ وَهُوَ مَحَلُّ الْمَعَانِي وَالْيَقِينُ بِالنِّسَبِ الْحُكْمِيَّةِ وَيُقَابِلُهُ الشَّكُّ وَالرَّيْبُ، وَالْفُؤَادُ وَهُوَ مَحَلُّ الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ الْمُجَرَّدُ عَنْ جَمِيعِ الصُّوَرِ وَالنِّسَبِ وَالْأَوْضَاعِ وَالْإِشَارَاتِ وَالْجِهَاتِ وَالْأَوْقَاتِ وَيُقَابِلُهَا الْإِنْكَارُ وَهُوَ أَعْلَى الْمَشَاعِرِ، وَنُورُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=665422اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ تَعَالَى ».
وَهُوَ الْوُجُودُ لِأَنَّهُ الْجِهَةُ الْعُلْيَا مِنَ الْإِنْسَانِ أَعْنِي وَجْهَهُ مِنْ جِهَةِ رَبِّهِ وَبِهِ يَعْرِفُ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ فِي الْإِنْسَانِ بِمَنْزِلَةِ الْمَلِكِ فِي الْمَدِينَةِ وَالْقَلْبِ بِمَنْزِلَةِ الْوَزِيرِ لَهُ انْتَهَى، وَلَهُ أَيْضًا كَلَامٌ فِي الْأُمِّ وَكَذَا فِي الْأَبِ غَيْرُ مَا ذَكَرَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُطْلَقُ الْأَبُ عَلَى الْمَادَّةِ وَالْأُمُّ عَلَى الصُّورَةِ، وَزَعَمَ أَنَّ قَوْلَ الصَّادِقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نُورِهِ وَصَبَغَهُمْ فِي رَحْمَتِهِ فَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ أَبُوهُ النُّورُ وَأُمُّهُ الرَّحْمَةُ إِشَارَةٌ إِلَى ذَلِكَ وَأَنَّ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْحُكَمَاءُ مِنْ أَنَّ الْأَبَ هُوَ الصُّورَةُ وَالْأُمَّ هِيَ الْمَادَّةُ وَأَنَّ الصُّورَةَ إِذَا نَكَحَتِ الْمَادَّةَ تَوَلَّدَ عَنْهُمَا الشَّيْءُ تَوَهُّمًا مِنْهُمْ أَنَّ النُّشُورَ وَالْخَلْقَ فِي بَطْنِ الْمَادَّةِ بَعِيدَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُنَاسَبَةِ إِلَى آخِرِ مَا قَالَ فَتَفَطَّنْ وَإِيَّاكَ أَنْ تَعْدِلَ عَنِ الطَّرِيقِ السَّوِيِّ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَسْخِيرِ طَيْرِ الْقُوَى الرُّوحَانِيَّةِ وَالنَّفْسَانِيَّةِ مِنَ الْفِكْرِ وَالْعَقْلِ النَّظَرِيِّ وَالْعَمَلِيِّ بَلِ الْوَهْمُ وَالتَّخَيُّلُ فِي فَضَاءِ عَالَمِ الْأَرْوَاحِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79مَا يُمْسِكُهُنَّ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقٍ بِمَادَّةٍ لَا اعْتِمَادَ عَلَى جِسْمٍ ثَقِيلٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79إِلا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالا وَهُوَ مَا يُسْتَظَلُّ بِهِ مِنْ وَهَجِ نَارِ الْحَاجَةِ فَالْمَاءُ ظِلٌّ لِلْعَطْشَانِ وَالطَّعَامُ ظِلٌّ لِلْجِيعَانِ وَكُلُّ مَا يَقُومُ بِحَاجَةِ شَخْصٍ ظِلٌّ لَهُ، وَفِي الْخَبَرِ
السُّلْطَانُ ظِلُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَأْوِي إِلَيْهِ كُلُّ مَظْلُومٍ، وَقِيلَ: الظِّلَالُ الْأَوْلِيَاءُ يَسْتَظِلُّ بِهِمُ الْمُرِيدُونَ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الْهِجْرَانِ وَيَأْوُونَ إِلَيْهِمْ مِنْ قَهْرِ الطُّغْيَانِ، وَقَدْ يُؤَوَّلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا بِنَحْوِ هَذَا فَمَا أَشْبَهَ الْأَوْلِيَاءَ بِالْجِبَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا جُعِلَ لِلْعَارِفِينَ مِنْ سَرَابِيلِ رُوحِ الْأُنْسِ لِئَلَّا يَحْتَرِقُوا بِنِيرَانِ الْقُدْسِ وَأَشَارَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ جَلَّ جَلَالُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ إِلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنَ الْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ لِيَدْفَعَ بِذَلِكَ كَيْدَ الشَّيَاطِينَ وَالنُّفُوسِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ تَنْقَادُونَ لِأَمْرِهِ سُبْحَانَهُ فِي الْعُبُودِيَّةِ وَتَخْضَعُونَ لِعِزِّ الرُّبُوبِيَّةِ، قَالَ
ابْنُ عَطَاءٍ: تَمَامُ النِّعْمَةِ السُّكُونُ إِلَى الْمُنْعِمِ، وَقَالَ حَمْدُونَ: تَمَامُهَا فِي الدُّنْيَا الْمَعْرِفَةُ وَفِي الْآخِرَةِ الرُّؤْيَةُ، وَقَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَرِيرِيُّ: تَمَامُهَا خُلُوُّ الْقَلْبِ مِنَ الشِّرْكِ الْخَفِيِّ وَسَلَامَةُ
[ ص: 212 ] النَّفْسِ مِنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ وَهِيَ هِدَايَةُ النَّبِيِّ أَوْ وَجُودُهُ بِقُوَّةِ الْفِطْرَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا لِعِنَادِهِمْ وَغَلَبَةِ صِفَاتِ نُفُوسِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=83وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ لِشَهَادَةِ فِطَرِهِمْ بِحَقِيقَتِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=84وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا فِي الِاعْتِذَارِ عَنِ التَّخَلُّفِ عَنْ دَعْوَتِهِ إِذْ لَا عُذْرَ لَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=84وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ لِأَنَّهُمْ قَدْ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ بِمُقْتَضَى اسْتِعْدَادِهِمْ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=87وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ قِيلَ: هَذَا فِي الْمَوْقِفِ الثَّانِي حِينَ تَضْعُفُ غَوَاشِي أَنْفُسِهِمُ الْمُظْلِمَةِ وَتَرِقُّ حُجُبُهَا الْكَثِيفَةُ وَأَمَّا فِي الْمَوْقِفِ الْأَوَّلِ حِينَ قُوَّةِ هَيْئَاتِ الرَّذَائِلِ وَشِدَّةِ شَكِيمَةِ النَّفْسِ فِي الشَّيْطَنَةِ فَلَا يَسْتَسْلِمُونَ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=18يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَقِيلَ: الْمُسْتَسْلِمُونَ بَعْضٌ وَالْحَالِفُونَ بَعْضٌ فَافْهَمْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.