فمن بدله أي: غير الإيصاء من شاهد ووصي، وتغيير كل منهما إما بإنكار الوصية من أصلها أو بالنقص فيها، أو بتبدل صفتها أو غير ذلك، وجعل الشافعية من التبديل عموم وصيته من أوصى إليه بشيء خاص، فالموصي بشيء خاص لا يكون وصيا في غيره عندهم، ويكون عندنا، وليس ذلك من التبديل في شيء، بعدما سمعه أي: علمه وتحقق لديه، وكنى بالسماع عن العلم؛ لأنه طريق حصوله، فإنما إثمه على الذين يبدلونه أي: فما إثم الإيصاء المبدل أو التبديل، والأول رعاية لجانب اللفظ، والثاني رعاية لجانب المعنى، إلا على مبدليه لا على الموصي؛ لأنهم الذين خالفوا الشرع وخانوا، ووضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على علية التبديل للإثم، وإيثار صيغة الجمع مراعاة لمعنى ( من )، وفيه إشعار بشمول الإثم لجميع الأفراد.
إن الله سميع عليم 181 فيسمع أقوال المبدلين والموصين، ويعلم بنياتهم، فيجازيهم على وفقها، وفي هذا وعيد للمبدلين ووعد للموصين، واستدل بالآية على أن الفرض يسقط عن الموصي بنفس الوصية، ولا يلحقه ضرر إن لم يعمل بها، وعلى أن من كان عليه دين فأوصى بقضائه يسلم من تبعته في الآخرة، وإن ترك الوصي والوارث قضاءه، وإلى ذلك ذهب ألكيا، والذي يميل القلب إليه أن المديون لا تبعة عليه بعد الموت مطلقا ولا يحبس في قبره، كما يقوله الناس، أما إذا لم يترك شيئا ومات معسرا فظاهر؛ لأنه لو بقي حيا لا شيء عليه بعد تحقق إعساره، سوى نظرة إلى ميسرة، فمؤاخذته وحبسه في قبره بعد ذهابه إلى اللطيف الخبير، مما لا يكاد يعقل، وأما إذا ترك شيئا وعلم الوارث بالدين أو برهن عليه به كان هو المطالب بأدائه والملزم بوفائه، فإذا لم يؤد ولم يف أوخذ هو لا من مات وترك ما يوفى منه دينه كلا أو بعضا، فإن مؤاخذة من يقول يا رب تركت ما يفي ولم يف عني من أوجبت عليه الوفاء بعدي، ولو أمهلتني لوفيت مما ينافي الحكمة ولا تقتضيه الرحمة، نعم المؤاخذة معقولة فيمن استدان لحرام، وصرف المال في غير رضا الملك العلام، وما ورد في الأحاديث محمول على هذا أو نحوه، وأخذ ذلك مطلقا مما لا يقبله العقل السليم والذهن المستقيم.