وزعم بعضهم أن المريد هو المنافق الذي يغزو مع المسلمين للغنيمة لا للثواب؛ فإن الآية نزلت فيه، وفيه أنه يأبى ذلك ما سبق من أن السورة مكية غير آيات معينة ليست هذه منها على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فافهم. ومن أراد الظاهر على طبق ما مر عن أن يراد بعمله أيضا الضحاك الآخرة أي الدار الآخرة وما فيها من النعيم المقيم وسعى لها سعيها أي الذي يحق ويليق بها كما تنبئ عنه الإضافة الاختصاصية سواء كان السعي مفعولا به على أن المعنى عمل عملها أو مصدرا مفعولا مطلقا، ويتحقق ذلك بالإتيان بما أمر الله تعالى والانتهاء عما نهى سبحانه عنه فيخرج من يتعبد من الكفرة بما يخترعه من الآراء ويزعم أنه يسعى لها، وفائدة اللام سواء للأجل أو للاختصاص اعتبار النية والإخلاص لله تعالى في العمل، واختار بعضهم ولا يخلو عن حسن أنه لا حاجة إلى ما اعتبره بل الأولى عدم اعتباره لمكان (وسعى لها سعيها) وحينئذ لا يعتبر فيما سبق أيضا ويكون في الآية على هذا من تحقير أمر الدنيا وتعظيم شأن الآخرة ما لا يخفى على من تأمل. الضحاك
وهو مؤمن إيمانا صحيحا لا يخالطه قادح، وإيراد الإيمان بالجملة الحالية للدلالة على اشتراط مقارنته لما ذكر في حيز (من) فلا تنفع إرادة ولا سعي بدونه، وفي الحقيقة هو الناشئ عنه إرادة الآخرة والسعي للنجاة فيها وحصول الثواب، وعن بعض المتقدمين: من لم يكن معه ثلاث لم ينفعه عمله: إيمان ثابت، ونية صادقة، وعمل مصيب، وتلا هذه الآية: فأولئك إشارة إلى (من) بعنوان اتصافه بما تقدم، وما في ذلك من معنى البعد للإشعار بعلو درجتهم وبعد منزلتهم، والجمعية لمراعاة جانب المعنى إيماء إلى أن الإثابة المفهومة من الخبر تقع على وجه الاجتماع، أي: فأولئك الجامعون لما مر من الخصال الحميدة أعني إرادة الآخرة والسعي الجميل لها والإيمان كان سعيهم مشكورا مثابا عليه مقبولا عنده تعالى بحسن القبول، وفسر بعضهم السعي هاهنا بالعمل الذي يعبر عنه بفعل فيشمل جميع ما تقدم وهذا غير السعي السابق، وقال بعضهم: هو هو، وعلق المشكورية به دون قرينيه إشعارا بأنه العمدة فيها، وأصل السعي كما قال المشي السريع وهو دون العدو، ويستعمل للجد [ ص: 48 ] في الأمر خيرا كان أو شرا، وأكثر ما يستعمل في الأفعال المحمودة قال الشاعر: الراغب
إن أجز علقمة بن سعد سعيه لا أجزه ببلاء يوم واحد