وآت ذا القربى أي ذا القرابة منك حقه الثابت له، قيل: ولعل المراد بذي القربى المحارم وبحقهم النفقة عليهم إذا كانوا فقراء عاجزين عن الكسب عما ينبئ عنه قوله تعالى: والمسكين وابن السبيل فإن المأمور به في حقهما المساواة المالية أي وآتهما حقهما مما كان مفترضا بمكة بمنزلة الزكاة وكذا النهي عن التبذير وعن الإفراط في القبض والبسط؛ فإن الكل من التصرفات المالية، واستدل بعضهم بالآية على إيجاب وإن لم يكونوا أصلا كالوالدين ولا فرعا كالولد، والكلام من باب التعميم بعد التخصيص؛ فإن ذا القربى يتناول الوالدين لغة وإن لم يتناوله عرفا؛ فلذا قالوا في باب الوصية المبنية على العرف: لو أوصى لذوي قرابته لا يدخلان. نفقة المحارم المحتاجين
وفي المعراج عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قال لأبيه: قريبي فقد عقه».
والغرض من ذلك تناول غيرهما من الأقارب والتوصية بشأنه.
وفي الكشف أن الحق أن إيتاء الحق عام، والمقام يقتضي الشمول فيتناول الحق المالي وغيره، من الصلة وحسن المعاشرة فلا تنتهض الآية دليلا على إيجاب نفقة المحارم، وتعقب أن قوله تعالى: حقه يشعر باستحقاق ذلك لاحتياجه مع أنه إذا عم دخل فيه المالي وغيره فكيف لا تنتهض الآية دليلا وأنا ممن يقول بالعموم وعدم اختصاص ذي القربى بذي القرابة الولادية، والعطف وكذا ما بعده لا يدل على تخصيص قطعا فتدبر، وقيل: المراد بذي القربى أقارب الرسول صلى الله عليه وسلم، وروي ذلك عن السدي.
وأخرج عن ابن جرير رضي الله تعالى عنهما أنه قال لرجل من أهل علي بن الحسين الشام: أقرأت القرآن؟ قال: نعم. قال: أفما قرأت في بني إسرائيل: فآت ذا القربى حقه ؟ قال: وإنكم القرابة الذي أمر الله تعالى أن يؤتى حقه؟ قال: نعم.
ورواه الشيعة عن الصادق رضي الله تعالى عنه، وحقهم توقيرهم وإعطاؤهم الخمس.
وضعف بأنه لا قرينة على التخصيص، وأجيب بأن الخطاب قرينة وفيه نظر.
وما أخرجه البزار وأبو يعلى وابن أبي حاتم عن وابن مردويه من أنه أبي سعيد الخدري لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاها فدكا. فاطمة
لا يدل على تخصيص الخطاب به عليه الصلاة والسلام على أن القلب من صحة الخبر شيء بناء على أن السورة مكية وليست هذه الآية من المستثنيات وفدك لم تكن إذ ذاك تحت تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل طلبها رضي الله تعالى عنها ذلك إرثا بعد وفاته عليه الصلاة والسلام كما هو المشهور يأبى القول [ ص: 63 ] بالصحة كما لا يخفى.
ولا تبذر تبذيرا نهى عن صرف المال إلى من لا يستحقه فإن التبذير إنفاق في غير موضعه مأخوذ من تفريق البذر وإلقائه في الأرض كيفما كان من غير تعهد لمواقعه.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وصححه والحاكم في الشعب عن والبيهقي أنه قال: التبذير إنفاق المال في غير حقه، وفي مفردات ابن مسعود وغيره أن أصله إلقاء البذر وطرحه ثم استعير لتضييع المال، وعد من ذلك بعضهم تشييد الدار ونحوه، وفرق الراغب بينه وبين الإسراف بأن الإسراف تجاوز في الكمية وهو جهل بمقادير الحقوق، والتبذير تجاوز في موقع الحق وهو جهل بالكيفية وبمواقعها، وكلاهما مذموم، والثاني أدخل في الذم. الماوردي
وفسر التبذير هنا بتفريق المال فيما لا ينبغي وإنفاقه على وجه الإسراف، وذكر أن فيه إشارة إلى أن التبذير شامل للإسراف في عرف اللغة ويراد منه حقيقة وإن فرق بينهما بما فرق، وفي الكشف بعد نقل الفرق والنص على أن الثاني أدخل في الذم أن الزمخشري لم يغب ذلك عليه لأن الاشتقاق يرشد إليه، وإنما أراد أنه في الآية يتناول الإسراف أيضا بطريق الدلالة إذ لا يفترقان في الأحكام لا سيما وقد عقبه سبحانه بالحث على الاقتصاد المناسب لاعتبار الكمية المرشد إلى إرادته من النص، وتعقب بأنه إذا كان التبذير أدخل في الذم من الإسراف كيف يتناوله بطريق الدلالة، الزمخشري فيما بعد يبعد إرادته هاهنا فتأمل. والنهي عن الإسراف