قال أي إبليس، وفي إعادة الفعل بين كلامي اللعين إيذان بعدم اتصال الثاني بالأول وعدم ابتنائه عليه بل على غيره، وقد ذكر ذلك في مواضع أخرى؛ أي: قال بعد طرده من المحل الأعلى ولعنه واستنظاره وإنظاره: أرأيتك هذا الذي كرمت علي .
الكاف حرف خطاب مؤكد لمعنى التاء قبله وهو من التأكيد اللغوي فلا محل له من الإعراب، ورأى علمية فتتعدى إلى مفعولين و «هذا» مفعولها الأول والموصول صفته والمفعول الثاني محذوف لدلالة الصلة عليه، وهذا الإنشاء مجاز عن إنشاء آخر ومن هنا تسمعهم يقولون: المعنى أخبرني عن هذا الذي كرمته علي لم كرمته علي وأنا أكرم منه، والعلاقة ما بين العلم والإخبار من السببية والمسببية واللازمية والملزومية، وجملة: لم كرمته واقعة على ما نص عليه أبو حيان موقع المفعول الثاني، وذهب بعض النحاة إلى أن رأى بصرية فتتعدى إلى واحد واختاره الرضي، ويجعلون الجملة الاستفهامية المذكورة مستأنفة.
وقال الكاف ضمير في محل نصب؛ أي: أرأيت نفسك وهو كما تقول: أتدبرت آخر أمرك فإني صانع كذا، و الفراء: هذا الذي كرمت علي مبتدأ وخبر وقد حذف منه الاستفهام؛ أي: أهذا إلخ، وقال بعضهم بهذا إلا أنه جعل الكاف حرف خطاب مؤكد أي: أخبرني أهذا من كرمته علي ، وقال الكاف حرف كما قيل لكن معنى أرأيتك أتأملت؛ كأن المتكلم ينبه المخاطب على استحضار ما يخاطبه به عقيبه، وكونه بمعنى أخبرني قول ابن عطية: سيبويه، وتبعهما والزجاج الحوفي وغيرهما، وزعم والزمخشري أن ذلك حيث يكون استفهام ولا استفهام في الآية. ابن عطية
وأنت تعلم أن المقرر في أرأيت بمعنى أخبرني أن تدخل على جملة ابتدائية يكون الخبر فيها استفهاما مذكورا أو مقدرا فمجرد عدم وجوده لا يأبى ذلك، وأيا ما كان فاسم الإشارة للتحقير، والمراد من التكريم التفضيل.
وجملة لئن أخرتن إلى يوم القيامة استئناف وابتداء كلام، واللام موطئة للقسم وجوابه لأحتنكن ذريته .
وفي البحر: لو ذهب ذاهب إلا أن هذا مفعول أول لأرأيتك بمعنى أخبرني والمفعول الثاني الجملة القسمية المذكورة لانعقادهما مبتدأ وخبرا قبل دخول أرأيتك لذهب مذهبا حسنا؛ إذ لا يكون في الكلام على هذا إضمار وهو كما ترى، والمراد من أخرتني أبقيتني حيا أو أخرت موتي، ومعنى لأحتنكن ذريته لأستولين عليهم استيلاء قويا من قولهم: حنك الدابة واحتنكها إذا جعل في حنكها الأسفل حبلا يقودها به.
وأخرج هذا وغيره عن ابن جرير وإليه ذهب ابن عباس أو لأستأصلنهم وأهلكنهم [ ص: 110 ] بالإغواء من قولهم: احتنك الجراد الأرض إذا أهلك نباتها وجرد ما عليها، واحتنك فلان مال فلان إذا أخذه وأكله، وعلى ذلك قوله: نشكو إليك سنة قد أجحفت جهدا إلى جهد بنا فأضعفت واحتنكت أموالنا وأجلفت. الفراء
وكأنه مأخوذ من الحنك وهو باطن أعلى الفم من داخل المنقار فهو اشتقاق من اسم عين، واختار هذا الطبري والجبائي وجماعة، وأخرج عن ابن أبي حاتم أنه قال: يقول: لأضلنهم وهو بيان لخلاصة المعنى، وهذا كقول اللعين ابن زيد لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين .
إلا قليلا منهم، وهو العباد المخلصون الذين جاء استثناؤهم في آية أخرى جعلنا الله تعالى وإياكم منهم.
وعلم اللعين تسني هذا المطلب له حتى ذكره مؤكدا إما بواسطة التلقي من الملائكة سماعا وقد أخبرهم الله تعالى به أو رأوه في اللوح المحفوظ أو بواسطة استنباطه من قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء مع تقرير الله تعالى له أو بالفراسة لما رأى فيه من قوة الوهم والشهوة والغضب المقتضية لذلك، ولا يبعد أن يكون استثناء القليل بالفراسة أيضا وكأنه لما رأى أن المانع من الاستيلاء في القليل مشتركا بينه وبين آدم عليه السلام ذكره من أول الأمر، وعن أنه ظن ذلك لأنه وسوس إلى الحسن آدم وغره حتى كان ما كان فقاس الفرع على الأصل وهو مشكل؛ لأن هذا القول كان قبل الوسوسة التي كان بسببها ما كان، ومن زعم أنه كان هناك وسوستان فعليه البيان، ولا يأتي به حتى يؤوب القارظان أو يسجد لآدم عليه السلام الشيطان.