«البحث الخامس في نص تمايز الأرواح بعد مفارقتها الأبدان» ابن القيم على أن كل روح تأخذ من بدنها صورة تتميز بها عن غيرها، وأن تمايز الأرواح أعظم من تمايز الأبدان إلا أنه زعم أنه لا يمكن التمايز بينها على القول بأنها جوهر مجرد عن المادة وفيه نظر؛ فإن القائلين بذلك قائلون بالتمايز أيضا باعتبار ما يحصل لها من التعلق بالبدن أو بنحو آخر من التمايز، وذكر الشيخ إبراهيم الكوراني في بعض رسائله أن الأرواح بعد مفارقتها أبدانها المخصوصة تتعلق بأبدان أخر مثالية حسبما يليق بها وإلى ذلك الإشارة بالطير الخضر في حديث الشهداء ففي صحيح عن مسلم أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، وأخرج ابن مسعود عن سعيد بن منصور مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ذراري المؤمنين أرواحهم في عصافير في شجر في الجنة.
أي إنها تكون في أبدان على تلك الصور، ويؤيد ذلك رواية عن ابن ماجه ابن مسعود: «أرواح الشهداء عند الله تعالى كطير خضر».
وفي لفظ عن كعب: «أرواح الشهداء طير خضر».
ولفظ ابن عمر: «في صورة طير بيض».
وفي رواية علي بن عثمان اللاحقي عن مكحول أن ذراري المؤمنين أرواحهم عصافير في الجنة.
وعلى هذا يكون إنكار قوم من المتكلمين خبر في أجواف طير، وكذا خبر: في عصافير؛ لما في ذلك من تعلق روحين في بدن واحد وقد قالوا باستحالته ناشئا من عدم التأمل والتثبت؛ لأنه على ما قررنا لا يكون للطائر روح غير روح الشهيد على أنه لو بقي الخبر على ظاهره لم يلزم محال؛ لجواز أن تكون الروح في جوف الطير على نحو كون الجنين في بطن أمه فتدبر.