ولقد صرفنا كررنا ورددنا على أساليب مختلفة توجب زيادة تقرير ورسوخ للناس أهل مكة وغيرهم كما هو الظاهر في هذا القرآن المنعوت بما ذكر من النعوت الفاضلة من كل مثل من كل معنى بديع هو في الحسن والغرابة واستجلاب النفوس كالمثل، ومفعول صرفنا على ما استظهره محذوف؛ أي البيان وقدره البينات والعبر، ومن لابتداء الغاية، وجوز أبو حيان أن تكون سيف خطيب، ف «كل» هو المفعول وهذا مبني على مذهب الكوفيين ابن عطية لأنهم يجوزون زيادة من في الإيجاب دون جمهور البصريين. والأخفش
وقرأ «صرفنا» بتخفيف الراء وقراءة الجمهور أبلغ. وأيا ما كان فالمراد فعلنا ذلك للناس ليذعنوا ويتلقوه بالقبول الحسن: فأبى أكثر الناس إلا كفورا أي: جحودا وفسر به لثبوت الصدق بأصل [ ص: 168 ] الإعجاز، والمراد بالناس المذكورون أولا وأوثر الإظهار على الإضمار تأكيدا وتوضيحا، والمراد بالأكثر قيل: من كان في عهده صلى الله عليه وسلم من المشركين وأهل الكتاب.
واستظهر في البحر أنهم أهل مكة بدليل أن الضمائر الآتية لهم، ونصب كفورا على أنه مفعول أبى والاستثناء مفرغ، وصح ذلك هنا مع أنه مشروط بتقدم النفي فلا يصح ضربت إلا زيدا؛ لأن أبى قريب من معنى النفي فهو مؤول به فكأنه قيل ما قبل أكثرهم إلا كفورا، وفيه من المبالغة ما ليس في أبوا الإيمان؛ لأن فيه زيادة على أنهم لم يرضوا بخصلة سوى الكفر من الإيمان والتوقف في الأمر ونحو ذلك وأنهم بالغوا في عدم الرضا حتى بلغوا مرتبة الإباء، وإنما لم يجز ذلك في الإثبات لفساد المعنى؛ إذ لا قرينة على تقدير أمر خاص والعموم لا يصح إذ لا يمكن في المثال أن تضرب كل أحد إلا زيدا فإن صح العموم في مثال جاز التفريغ في غير تأويل بنفي فيجوز صليت إلا يوم كذا؛ إذ يجوز أن تصلي كل يوم غيره، وجوز أن تكون الآية من هذا القبيل بأن يكون المراد أبوا كل شيء فيما اقترحوه إلا كفورا.