وجنبي خيفة القوم أزور
وقال عنترة:فازور من وقع القنا بلبانه وشكا إلي بعبرة وتحمحم
وقال بشر بن أبي حازم:
تؤم بها الحداة مياه نخل وفيها عن أبانين ازورار
ومنه زاره إذا مال إليه، والزور أي الكذب لميله عن الواقع وعدم مطابقته، وكذا الزور بمعنى الصنم في قوله:
جاؤوا بزوريهم وجئنا بالأصم
وقال إن الزور بتحريك الواو ميل في الزور بتسكينها وهو أعلى الصدر، والأزور المائل الزور أي الصدر وزرت فلانا تلقيته بزوري أو قصدت زوره نحو وجهته أي قصدت وجهه، والمشهور ما قدمناه، وحكي عن الراغب: أبي الحسن أنه قال: لا معنى ل «تزور» في الآية لأن الازورار الانقباض، وهو طعن في قراءة ومن معه بما يوجب تغيير الكنية، وبالجملة المراد: إذا طلعت تروغ وتميل ابن عامر عن كهفهم الذي آووا إليه فالإضافة لأدنى ملابسة ذات اليمين أي: جهة ذات يمين الكهف عند توجه الداخل إلى قعره أي جانبه الذي يلي المغرب أو جهة ذات يمين الفتية ومآله كسابقه، وهو نصب على الظرفية. قال في المقتضب: ذات اليمين وذات الشمال من الظروف المتصرفة كيمينا وشمالا. المبرد
وإذا غربت أي تراها عند غروبها تقرضهم أي تعدل عنهم، قال يقال: قرضت المكان إذا عدلت عنه ولم تقر به الكسائي: ذات الشمال أي: جهة ذات شمال الكهف أي جانبه الذي يلي المشرق، وقال غير واحد:
هو من القرض بمعنى القطع تقول العرب: قرضت موضع كذا أي قطعته. قال ذو الرمة:
إلى ظعن يقرضن أقواز مشرف شمالا وعن أيمانهن الفوارس
والمراد تتجاوزهم وهم في فجوة منه أي: في متسع من الكهف، وهي على ما قيل من الفجا وهو تباعد ما بين الفخذين، يقال: رجل أفجى وامرأة فجواء، وتجمع على فجاء وفجا وفجوات. وحاصل الجملتين أنهم كانوا لا تصيبهم الشمس أصلا فتؤذيهم وهم في وسط الكهف بحيث ينالهم روح الهواء، ولا يؤذيهم [ ص: 223 ] كرب الغار ولا حر الشمس، وذلك لأن باب الكهف كما قال عبد الله بن مسلم كان في مقابلة بنات نعش، وأقرب المشارق والمغارب إلى محاذاته مشرق رأس السرطان ومغربه والشمس إذا كان مدارها مداره تطلع مائلة عنه مقابلة لجانبه الأيمن، وهو الذي يلي المغرب، وتغرب محاذية لجانبه الأيسر فيقع شعاعها على جنبه، وتحلل عفونته وتعدل هواه ولا تقع عليهم فتؤذي أجسادهم وتبلي ثيابهم، ولعل ميل الباب إلى جانب المغرب كان أكثر ولذلك وقع التزاور على كهفهم والقرض على أنفسهم وقال وابن عطية ليس ذلك لما ذكر بل لمحض صرف الله تعالى الشمس بيد قدرته عن أن تصيبهم على منهاج خرق العادة كرامة لهم، وجيء بقوله تعالى: الزجاج: وهم في فجوة منه حالا مبينة لكون ما ذكر أمرا بديعا كأنه قيل: ترى الشمس تميل عنهم يمينا وشمالا ولا تحوم حولهم مع كونهم في متسع من الكهف معرض لإصابتها لولا أن كفها عنهم كف التقدير، واحتج عليه بقوله تعالى: ذلك من آيات الله حيث جعل ( ذلك ) إشارة إلى ما ذكر من التزاور والقرض في الطلوع والغروب يمينا وشمالا، ولا يظهر كونه آية على القول السابق ظهوره على قوله؛ فإن كونه آية دالة على وحقية التوحيد وكرامة أهله عنده سبحانه على هذا أظهر من الشمس في رابعة النهار. كمال قدرة الله تعالى
وكان ذلك قبل سد باب الكهف على ما قيل، وقال معنى تقرضهم تعطيهم من ضوئها شيئا ثم تزول سريعا وتسترد ضوءها فهو كالقرض يسترده صاحبه، وحاصل الجملتين عنده أن الشمس تميل بالغدوة عن كهفهم وتصيبهم بالعشي إصابة خفيفة، ورد بأنه لم يسمع للقرض بهذا المعنى فعل ثلاثي ليفتح حرف المضارعة، واختار بعضهم كون المراد ما ذكر إلا أنه جعل تقرضهم من القرض لهم، وأن المعنى: وإذا غربت تقطع لهم من ضوئها شيئا، والسبب لاختياره ذلك توهمه أن الشمس لو لم تصب مكانهم أصلا لفسد هواؤه وتعفن ما فيه فيصير ذلك سببا لهلاكهم وفيه ما فيه، وأكثر المفسرين على أنهم لم تصبهم الشمس أصلا، وإن اختلفوا في منشأ ذلك. أبو علي:
واختار جمع أنه لمحض حجب الله تعالى الشمس على خلاف ما جرت به العادة قالوا: والإشارة تؤيد ذلك أتم تأييد، والاستبعاد مما لا يلتفت إليه لا سيما فيما نحن فيه؛ فإن شأن أصحاب الكهف كله على خلاف العادة.
وبعض من ذهب إلى أن المنشأ كون باب الكهف في مقابلة بنات نعش جعل ذلك إشارة إلى إيوائهم إلى كهف هذا شأنه، وبعض آخر جعله إشارة إلى حفظ الله تعالى إياهم في ذلك الكهف المدة الطويلة، وآخر جعله إشارة إلى إطلاعه سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم على أخبارهم. واعترض على الأخيرين بأنه لا يساعدهما إيراد ذلك في تضاعيف القصة، وجعله بعضهم إشارة إلى هدايتهم إلى التوحيد ومخالفتهم قومهم وآباءهم وعدم الاكتراث بهم وبملكهم مع حداثتهم وإيوائهم إلى كهف شأنه ذلك، ولا يخلو عن حسن، وإليه أميل. والله تعالى أعلم.
وقرئ: «يقرضهم» بالياء آخر الحروف ولعل الضمير عائد على غروب الشمس.
وقال أي: يقرضهم الكهف. أبو حيان:
من يهد الله من يدله سبحانه دلالة موصولة إلى الحق ويوفقه لما يحبه ويرضاه فهو المهتد الفائز بالحظ الأوفر في الدارين، والمراد إما الثناء على أصحاب الكهف والشهادة لهم بإصابة المطلوب والإخبار بتحقق ما أملوه من نشر الرحمة وتهيئة المرفق أو التنبيه على أن [ ص: 224 ] أمثال هذه الآيات كثيرة ولكن المشفع بها من وفقه الله تعالى للتأمل فيها والاستبصار بها، فالمراد بمن إما الفتية أو ما يعمهم وغيرهم، وفيه ثناء عليهم أيضا وهو كما ترى.
وجعله بعضهم ثناء على الله تعالى لمناسبة قوله سبحانه: وزدناهم هدى وربطنا وملاءمة قوله عز وجل: ومن يضلل يخلق فيه الضلال لصرف اختياره إليه فلن تجد له أبدا وإن بالغت في التتبع والاستقصاء وليا ناصرا مرشدا يهديه إلى الحق ويخلصه من الضلال لاستحالة وجوده في نفسه لا أنك لا تجده مع وجوده أو إمكانه إذ لو أريد مدحهم لاكتفى بقوله تعالى: «فهو المهتد» وفيه أنه لا يطابق المقام، والمقابلة لا تنافي المدح بل تؤكده ففيه تعريض بأنهم أهل الولاية والرشاد؛ لأن لهم الولي المرشد، ولعل في الآية صنعة الاحتباك.