فاختلط به نبات الأرض أي: فاشتبك وخالط بعضه بعضا لكثرته وتكاثفه بسبب كثرة سقي الماء إياه أو المراد فدخل الماء في النبات حتى روي ورف، وكان الظاهر في هذا المعنى فاختلط بنبات الأرض لأن [ ص: 286 ] المعروف في عرف اللغة والاستعمال دخول الباء على الكثير الغير الطارئ وإن صدق بحسب الوضع على كل من المتداخلين أنه مختلط ومختلط به إلا أنه اختير ما في النظم الكريم للمبالغة في كثرة الماء حتى كأنه الأصل الكثير، ففي الكلام قلب مقبول فأصبح ذلك النبات الملتف إثر بهجته ونضارته هشيما أي: يابسا متفتتا، وهو فعيل بمعنى مفعول، وقيل: جمع هشيمة وأصبح بمعنى صار فلا يفيد تقييد الخبر بالصباح كما في قوله:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك رأس البعير إن نفرا
وقيل: هي على ظاهرها مفيدة لتقييد الخبر بذلك لأن الآفات السماوية أكثر ما تطرق ليلا. وتعقب بأنه ليس في الآية ما يدل على أن اتصافه بكونه هشيما لآفة سماوية بل المراد بيان ما يؤول إليه بعد النضارة من اليبس والتفتت كقوله تعالى: والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى تذروه الرياح أي: تفرقه كما قال وقال أبو عبيدة، ترفعه، وقال الأخفش: تجيء به وتذهب، وقرأ ابن كيسان: «تذريه» من أذرى رباعيا وهو لغة في ذرى وقرأ ابن مسعود: زيد بن علي والحسن والنخعي والأعمش وطلحة وابن أبي ليلى وابن محيصن وخلف وابن عيسى «تذروه الريح» بالإفراد، وليس المشبه به نفس الماء بل هو الهيئة المنتزعة من الجملة وهي حال النبات المنبت بالماء يكون أخضر مهتزا ثم يصير يابسا تطيره الرياح حتى كأنه لم يكن، وعبر بالفاء في الآية للإشعار بسرعة زواله وصيرورته بتلك الصفة فليست فصيحية، وقيل: هي فصيحية، والتقدير فزها ومكث مدة فأصبح هشيما وابن جرير: وكان الله على كل شيء من الأشياء التي من جملتها الإنشاء والإفناء مقتدرا كامل القدرة.