يا منزل الرحم على إدريسا ومنزل اللعن على إبليسا
وهما مصدران كالكثر والكثرة ، والمراد أقرب رحمة عليهما وبرا بهما واستظهر ذلك ، ولعل وجهه كثرة استعمال المصدر مبنيا للفاعل مع ما في ذلك هنا من موافقة المصدر قبله ، وأخرج أبو حيان ابن أبي شيبة وابن المنذر عن وابن أبي حاتم عطية أن المعنى هما به أرحم منهما بالغلام ، ولعل المراد على هذا أنه أحب [ ص: 12 ] إليهما من ذلك الغلام إما لزيادة حسن خلقه أو خلقه أو الاثنين معا ، وهذا المعنى أقرب للتأسيس من المعنى الأول على تفسير المعطوف عليه بما سمعت إلا أنه يؤيد ذلك التفسير ما أخرجه ابن المنذر عن وابن أبي حاتم أنهما أبدلا جارية ولدت نبيا ، وقال ابن عباس : إنها أدركت الثعلبي يونس بن متى فتزوجها نبي من الأنبياء فولدت نبيا هدى الله تعالى على يده أمة من الأمم ، وفي رواية عن ابن المنذر يوسف بن عمر أنها ولدت نبيين ، وفي رواية أخرى عن ابن عباس وجعفر الصادق رضي الله تعالى عنهما أنها ولدت سبعين نبيا .
، واستبعد هذا وقال : لا يعرف كثرة الأنبياء عليهم السلام إلا في بني إسرائيل ولم تكن هذه المرأة منهم وفيه نظر ظاهر ، ووجه التأييد أن الجارية بحسب العادة تحب أبويها وترحمهما وتعطف عليهما وتبر بهما أكثر من الغلام قيل : أبدلهما غلاما مؤمنا مثلهما ، وانتصاب المصدرين على التمييز والعامل ما قبل كل من أفعل التفضيل ، ولا يخفى ما في الإبهام أولا ثم البيان ثانيا من اللطف ولذا لم يقل : فأردنا أن يبدلهما ربهما أزكى منه وأرحم على أن في خير زكاة من المدح ما ليس في أزكى كما يظهر بالتأمل الصادق . ابن عطية
وذكر أن أفعل ليس للتفضيل هنا لأنه لا زكاة في ذلك الغلام ولا رحمة . وتعقب بأنه كان زكيا طاهرا ( من الذنوب بالفعل إن كان صغيرا وبحسب الظاهر إن كان بالغا، فلذا قال أبو حيان موسى عليه السلام ( نفسا زكية ) وهذا في مقابلته فخير من زكاة من هو زكي في الحال والمآل بحسب الظاهر والباطن ولو سلم فالاشتراك التقديري يكفي في صحة التفضيل وأن قوله : ولا رحمة قول بلا دليل انتهى .
وقال الخفاجي : إن الجواب الصحيح هنا أن يكتفى بالاشتراك التقديري لأن الخضر عليه السلام كان عالما بالباطن فهو يعلم أنه لا زكاة فيه ولا رحمة فقوله : إنه لا دليل عليه لا وجه له ، وأنت تعلم أن الرحمة على التفسير الثاني مما لا يصح نفيها لأنها مدار الخشية فافهم ، والظاهر أن الفاء للتفريع فيفيد سببية الخشية للإرادة المذكورة ويفهم من تفريع القتل ، ولم يفرعه نفسه مع أنه المقصود تأويله اعتمادا على ظهور انفهامه من هذه الجملة على ألطف وجه ، وفيها إشارة إلى رد ما يلوح به كلام موسى عليه السلام من أن قتله ظلم وفساد في الأرض .
وقرأ نافع وأبو عمرو وأبو جعفر وشيبة وحميد والأعمش (يبدلهما) بالتشديد . وابن جرير
وقرأ ابن عامر في رواية وأبو جعفر ويعقوب ( رحما ) بضم الحاء ، وقرأ وأبو حاتم رضي الله تعالى عنهما ( رحما ) بفتح الراء وكسر الحاء . ابن عباس