تلظى عليهم حين شد حميها بزبر الحديد والحجارة شاجر
وطلب إيتاء الزبر لا ينافي أنه لم يقبل منهم شيئا لأن المراد من الإيتاء المأمور به الإيتاء بالثمن أو مجرد المناولة والإيصال، وإن كان ما آتوه له لا إعطاء ما هو لهم فهو معونة مطلوبة ، وعلى تسليم كون الإيتاء بمعنى الإعطاء لا المناولة يقال : إن إعطاء الآلة للعمل لا يلزمه تملكها ولو تملكها لا يعد ذلك جعلا فإنه إعطاء المال لا إعطاء مثل هذا ، وينبئ عن أن المراد ليس الإعطاء قراءة عن أبي بكر ( ردما ائتوني ) بكسر التنوين ووصل الهمزة من أتاه بكذا إذ جاء به له وعلى هذه القراءة نصب (زبرا) بنزع الخافض أي جيئوني بزبر الحديد، وتخصيص زبر الحديد بالذكر دون الصخور والحطب ونحوهما لما أن الحاجة إليها أمس إذ هي الركن القوي في السد ووجودها أعز . عاصم
وقرأ ( زبر ) بضم الباء كالزاي الحسن حتى إذا ساوى بين الصدفين في الكلام حذف أي فأتوه إياها فأخذ يبني شيئا فشيئا، حتى إذا جعل ما بين جانبي الجبلين من البنيان مساويا لهما في العلو فبين مفعول ساوى وفاعله ضمير ذي القرنين ، وقيل : الفاعل ضمير السد المفهوم من الكلام، أي فأتوه إياها فأخذ يسد بها حتى إذا ساوى السد الفضاء الذي بين الصدفين، ويفهم من ذلك مساواة السد في العلو للجبلين ، والصدف كما أشرنا إليه جانب الجبل وأصله على ما قيل : الميل ، ونقل في الكشف أنه لا يقال للمنفرد صدف حتى يصادفه الآخر ثم قال : فهو من الأسماء المتضايفة كالزوج وأمثاله ، وقال : وهو كل بناء عظيم مرتفع ولا يخفى أنه ليس بالمراد هنا . أبو عبيدة
وزعم بعضهم أن المراد به هنا الجبل وهو خلاف ما عليه الجمهور . وقرأ سوى من التسوية . قتادة
وقرأ ابن أبي أمية عن عن أبي بكر ( سووي ) بالبناء للمجهول ، وقرأ عاصم ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والزهري ومجاهد ( الصدفين ) بضم الصاد والدال وهي لغة والحسن حمير كما أن فتحهما في قراءة [ ص: 41 ] الأكثرين لغة تميم ، وقرأ أبو بكر وابن محيصن وأبو رجاء وأبو عبد الرحمن ( الصدفين ) بضم فسكون .
وقرأ ابن جندب بفتح فسكون ، وروي ذلك عن ، وفي رواية أخرى عنه أنه قرأ بضم ففتح وهي قراءة قتادة أبان عن عاصم ، وقرأ الماجشون بفتح فضم .
(قال) للعملة (انفخوا) أي بالكيران في زبر الحديد الموضوعة بين الصدفين ففعلوا حتى إذا جعله أي : جعل المنفوخ فيه نارا أي كالنار في الحرارة والهيئة فهو من التشبيه البليغ ، وإسناد الجعل المذكور إلى ذي القرنين مع أنه فعل الفعلة للتنبيه على أنه العمدة في ذلك وهم بمنزلة الآلة (قال) الذين يتولون أمر النحاس من الإذابة وغيرها ، وقيل لأولئك النافخين قال لهم بعد أن نفخوا في ذلك حتى صار كالنار وتم ما أراده منهم أولا (آتوني) من الذين يتولون أمر النحاس أفرغ عليه قطرا أي آتوني قطرا أفرغ عليه قطرا فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه ، وبه تمسك البصريون على أن إعمال الثاني في باب التنازع أولى إذ لو كان (قطرا) مفعول (آتوني) لأضمر مفعول (أفرغ) وحذفه وإن جاز لكونه فضلة إلا أنه يوقع في لبس .
والقطر كما أشرنا إليه النحاس المذاب وهو قول الأكثرين ، وقيل : الرصاص المذاب ، وقيل : الحديد المذاب وليس بذاك ، وقرأ الأعمش وطلحة وحمزة بخلاف عنه ( ائتوني ) بهمزة الوصل أي جيئوني كأنه يستدعيهم للإغاثة باليد عند الإفراغ ، وإسناد الإفراغ إلى نفسه للسر الذي وقفت عليه آنفا ، وكذا الكلام في قوله اجعل وقوله ساوى على أحد القولين. وأبو بكر