وجار سار معتمدا عليكم أجاءته المخافة والرجاء
قال : أصله من جئت وقد جعلته الفراء العرب إلجاء ، وفي المثل شر ما يجيئك إلى مخة عرقوب. انتهى ، واختار أن المعنى جاء بها واعترض على أبو حيان وأطال الكلام بما لا يخفى رده (والمخاض) بفتح الميم كما في قراءة الأكثرين وبكسرها كما في رواية عن الزمخشري مصدر مخضت المرأة بفتح الخاء وكسرها إذا أخذها الطلق وتحرك الولد في بطنها للخروج ، وقرأ ابن كثير الأعمش ( فاجاءها ) بإمالة فتحة الجيم ، وقرأ وطلحة حماد بن سلمة عن (فاجأها) من المفاجأة وروي ذلك عن عاصم ونقله مجاهد عن ابن عطية شبيل بن عزرة أيضا ، وقال صاحب اللوامح : إن قراءته تحتمل أن تكون الهمزة فيها قد قلبت ألفا ويحتمل أن تكون بين بين غير مقلوبة .
إلى جذع النخلة لتستند إليه عند الولادة كما روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة أو لذلك ( ولتستر به كما قيل ، والجذع ما بين العرق ومتشعب الأغصان من الشجرة ، وقد يقال للغصن أيضا : جذع ، والنخلة معروفة . والتعريف إما للجنس فالمراد واحدة من النخل لا على التعيين أو للعهد فالمراد نخلة معينة، ويكفي لتعينها تعينها في نفسها، وإن لم يعلمها المخاطب بالقرآن عليه الصلاة والسلام كما إذا قلت: أكل السلطان ما أتى به الطباخ أي طباخه فإنه المعهود ، وقد يقال : إنها معينة له صلى الله تعالى عليه وسلم بأن يكون الله تعالى أراها له عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج ، وزعم بعضهم أنها موجودة إلى اليوم ، والظاهر أنها كانت موجودة قبل مجيء والسدي مريم إليها وهو الذي تدل عليه الآثار ، فعن رضي الله تعالى عنهما أنها عليها السلام لما اشتد عليها الطلق نظرت إلى أكمة فصعدت مسرعة فإذا عليها جذع نخلة نخرة ليس عليها سعف . ابن عباس
وقيل : إن الله تعالى خلقها لها يومئذ وليس بذاك، وكان الوقت شتاء ، ولعل الله تعالى أرشدها إليها ليريها فيما هو أشبه الأشجار بالإنسان من آياته ما يسكن روعتها كأثمارها بدون رأس، وفي وقت الشتاء الذي لم يعهد ذلك فيه، ومن غير لقاح كما هو المعتاد ، وفي ذلك إشارة أيضا إلى أن أصلها ثابت وفرعها في السماء ، وإلى أن ولدها نافع كالثمرة الحلواء وأنه عليه السلام سيحيي الأموات كما أحيا الله تعالى بسببه الموات مع ما في ذلك من اللطف بجعل ثمرتها خرسة لها ، والجار والمجرور متعلق بأجاءها ، وعلى القراءة الأخرى متعلق بمحذوف وقع حالا أي مستندة إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت بكسر الميم من مات يمات كخاف يخاف أو من [ ص: 82 ] مات يميت كجاء يجيء .
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر بضمها من مات يموت كقال يقول ، (قبل) هذا الوقت الذي لقيت فيه ما لقيت أو قبل هذا الأمر . وإنما قالته عليها السلام مع أنها كانت تعلم ما جرى بينها وبين ويعقوب جبريل عليه السلام من الوعد الكريم استحياء من الناس وخوفا من لائمتهم أو حذرا من وقوع الناس في المعصية بما يتكلمون فيها .
وروي أنها سمعت نداء: اخرج يا من يعبد من دون الله تعالى، فحزنت لذلك وتمنت الموت ، وتمني الموت لنحو ذلك مما لا كراهة فيه ، نعم يكره تمنيه لضرر نزل به من مرض أو فاقة أو محنة من عدو أو نحو ذلك من مشاق الدنيا .
ففي صحيح مسلم وغيره قال صلى الله تعالى عليه وسلم : ( ) لا يتمنين أحدكم الموت لضرر نزل، فإن كان لا بد متمنيا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي
ومن ظن أن تمنيها عليها السلام ذلك كان لشدة الوجع فقد أساء الظن، والعياذ بالله تعالى .
وكنت نسيا أي شيئا تافها شأنه أن ينسى ولا يعتد به أصلا كخرقة الطمث .
وقرأ الأكثرون ( نسيا ) بالكسر . قال : هما لغتان في ذلك كالوتر والوتر والفتح أحب إلي . الفراء
وقال الفارسي : الكسر أعلى اللغتين ، وقال : هو بالكسر اسم لما ينسى كالنقض اسم لما ينقض وبالفتح مصدر نائب عن الاسم ، وقرأ ابن الأنباري ( نسئا ) بكسر النون والهمزة مكان الياء وهي قراءة محمد بن كعب القرظي نوف الأعرابي ، وقرأ بكر بن حبيب السهمي أيضا في رواية ( نسأ ) بفتح النون والهمزة على أن ذلك من نسأت اللبن إذا صببت عليه ماء فاستهلك اللبن فيه لقلته، فكأنها تمنت أن تكون مثل ذلك اللبن الذي لا يرى ولا يتميز من الماء ، ونقل ومحمد بن كعب عن ابن عطية بكر بن حبيب أنه قرأ ( نسا ) بفتح النون والسين من غير همز كعصى (منسيا) لا يخطر ببال أحد من الناس ووصف النسي بذلك لما أنه حقيقة عرفية فيما يقل الاعتداد به وإن لم ينس ، وقرأ الأعمش في رواية بكسر الميم اتباعا لحركة السين كما قالوا : منتن باتباع حركة الميم لحركة التاء وأبو جعفر