بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
[ ص: 106 ] قال عليه الصلاة والسلام له : إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟ قال إلى الجنة يا رسول الله، قال : أجل إن شاء الله تعالى .
وعن أنه عليه السلام يعبد الله تعالى مع الملائكة عليهم السلام في السماء السابعة ويرتع تارة في الجنة حيث شاء ، وأكثر القائلين برفعه حسا قائلون بأنه حي حيث رفع ، وعن قتادة أنه ميت في السماء وهو قول شاذ . وسبب رفعه على ما روي عن مقاتل كعب وغيره أنه مر ذات يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس فقال : يا رب إني مشيت يوما في الشمس فأصابني منها ما أصابني فكيف بمن يحملها مسيرة خمسمائة عام في يوم واحد اللهم خفف عنه من ثقلها وحرها، فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها ما لا يعرف فقال : يا رب خلقتني لحمل الشمس فماذا الذي قضيت فيه قال : إن عبدي إدريس سألني أن أخفف عنك حملها وحرها فأجبته قال : يا رب فاجمع بيني وبينه واجعل بيني وبينه خلة، فأذن له حتى أتى إدريس ثم إنه طلب منه رفعه إلى السماء فأذن الله تعالى له بذلك فرفعه .
وأخرج عن ابن المنذر عمر مولى عفرة يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قال : بل إني معك وإني أقبض نفس من أمرت بقبض نفسه في مشارق الأرض ومغاربها وما الدنيا كلها عندي إلا كمائدة بين يدي الرجل يتناول منها ما شاء فقال له : يا ملك الموت أسألك بالذي أحببتني له وفيه إلا قضيت لي حاجة أسألكها فقال : سلني يا نبي الله فقال : أحب أن تذيقني الموت ثم ترد علي روحي، فقال : ما أقدر إلا أن أستأذن فاستأذن ربه تعالى فأذن له، فقبض روحه ثم ردها الله تعالى إليه، فقال له ملك الموت : يا نبي الله كيف وجدت الموت؟ قال : أعظم مما كنت أحدث وأسمع، ثم سأله رؤية النار فانطلق إلى أحد أبواب جهنم فنادى بعض خزنتها فلما علموا أنه ملك الموت ارتعدت فرائصهم وقالوا : أمرت فينا بأمر؟ فقال: لو أمرت فيكم بأمر ما ناظرتكم ولكن نبي الله إدريس سألني أن تروه لمحة من النار ، ففتحوا له قدر ثقب المخيط، فأصابه من حرها ما صعق منه ، فقال ملك الموت : أغلقوا، فغلقوا، وجعل يمسح ملك الموت وجه إدريس ويقول : يا نبي الله تعالى ، ما كنت أحب أن يكون هذا حظك من صحبتي ، فلما أفاق سأله: كيف رأيت؟ قال : أعظم مما كنت أحدث وأسمع إن إدريس كان نبيا تقيا زكيا وكان يقسم دهره على نصفين ثلاثة أيام يعلم الناس الخير وأربعة أيام يسيح في الأرض ويعبد الله تعالى مجتهدا، وكان يصعد من عمله وحده إلى السماء من الخير مثل ما يصعد من جميع أعمال بني آدم وأن ملك الموت أحبه في الله تعالى فأتاه حين خرج للسياحة فقال له : يا نبي الله إني أريد أن تأذن لي في صحبتك، فقال له إدريس وهو لا يعرفه : إنك لن تقوى على صحبتي قال : بلى إني أرجو أن يقويني الله تعالى على ذلك، فخرج معه يومه ذلك حتى إذا كان من آخر النهار مرا براعي غنم فقال ملك الموت : يا نبي الله إنا لا ندري حيث نمسي، فلو أخذنا جفرة من هذه الغنم فأفطرنا عليها، فقال له : لا تعد إلى مثل هذا أتدعوني إلى أخذ ما ليس لنا من حيث نمسي يأتينا الله تعالى برزق، فلما أمسى أتاه الله تعالى بالرزق الذي كان يأتيه، فقال لملك الموت: تقدم فكل، فقال : لا والذي أكرمك بالنبوة ما أشتهي فأكل وحده وقاما جميعا إلى الصلاة، ففتر إدريس ونعس ولم يفتر الملك ولم ينعس، فعجب منه وصغرت عنده عبادته مما رأى ثم أصبحا فساحا، فلما كان آخر النهار مرا بحديقة عنب فقال له مثل ما قال أولا، فلما أمسيا أتاه الله تعالى بالرزق فدعاه إلى الأكل فلم يأكل وقاما إلى الصلاة، وكان من أمرهما ما كان أولا، فقال له إدريس : لا والذي نفسي بيده ما أنت من بني آدم فقال : أجل لست منهم، وذكر له أنه ملك الموت فقال : أمرت في بأمر؟ فقال : لو أمرت فيك بأمر ما ناظرتك ولكني أحبك في الله تعالى وصحبتك له، فقال له : إنك معي هذه المدة لم تقبض روح أحد من الخلق ! قال : بل إني معك وإني أقبض نفس من أمرت بقبض نفسه في مشارق الأرض ومغاربها وما الدنيا كلها عندي إلا كمائدة بين يدي الرجل يتناول منها ما شاء فقال له : يا ملك الموت أسألك بالذي أحببتني له وفيه إلا قضيت لي حاجة أسألكها فقال : سلني يا نبي الله فقال : أحب أن تذيقني الموت ثم ترد علي روحي، فقال : ما أقدر إلا أن أستأذن فاستأذن ربه تعالى فأذن له، فقبض روحه ثم ردها الله تعالى إليه، فقال له ملك الموت : يا نبي الله كيف وجدت الموت؟ قال : أعظم مما كنت أحدث وأسمع، ثم سأله رؤية النار فانطلق إلى أحد أبواب جهنم فنادى بعض خزنتها فلما علموا أنه ملك الموت ارتعدت فرائصهم وقالوا : أمرت فينا بأمر؟ فقال: لو أمرت فيكم بأمر ما ناظرتكم ولكن نبي الله إدريس سألني أن تروه لمحة من النار ، ففتحوا له قدر ثقب المخيط، فأصابه من حرها ما صعق منه ، فقال ملك الموت : أغلقوا، فغلقوا، وجعل يمسح ملك الموت وجه إدريس ويقول : يا نبي الله تعالى ، ما كنت أحب أن يكون هذا حظك من صحبتي ، فلما أفاق سأله: كيف رأيت؟ قال : أعظم مما كنت أحدث وأسمع! ثم سأله : أن يريه لمحة من الجنة ففعل نظير ما فعل قبل [ ص: 107 ] فلما فتحوا له أصابه من بردها وطيبها وريحانها ما أخذ بقلبه فقال : يا ملك الموت إني أحب أن أدخل الجنة فآكل أكلة من ثمارها وأشرب شربة من مائها، فلعل ذلك أن يكون أشد لطلبتي ورغبتي، فدخل وأكل وشرب فقال له ملك الموت : اخرج يا نبي الله تعالى، قد أصبت حاجتك حتى يردك الله عز وجل مع الأنبياء عليهم السلام يوم القيامة، فاحتضن بساق شجرة من أشجارها وقال : ما أنا بخارج وإن شئت أن أخاصمك خاصمتك فأوحى الله تعالى إلى ملك الموت: قاضه الخصومة فقال له : ما الذي تخاصمني به يا نبي الله تعالى؟ فقال إدريس : قال الله تعالى : كل نفس ذائقة الموت وقد ذقته، وقال سبحانه وإن منكم إلا واردها وقد وردتها وقال جل وعلا لأهل الجنة وما هم منها بمخرجين فأخرج من شيء ساقه الله عز وجل إلي فأوحى الله تعالى إلى ملك الموت: خصمك عبدي إدريس وعزتي وجلالي إن في سابق علمي أن يكون كذلك، فدعه فقد احتج عليك بحجة قوية ) الحديث . والله تعالى أعلم بصحته، وكذا بصحة ما قبله من خبر كعب ، وهذا الرفع لاقتضائه علو الشأن ورفعة القدر كان فيه من المدح ما فيه وإلا فمجرد الرفع إلى مكان عال حسا ليس بشيء :
فالنار يعلوها الدخان وربما يعلو الغبار عمائم الفرسان
وادعى بعضهم أن الأقرب أن العلو حسي لأن الرفعة المقترنة بالمكان لا تكون معنوية . وتعقب بأن فيه نظرا لأنه ورد مثله بل ما هو أظهر منه كقوله :
وكن في مكان إذا ما سقطت تقوم ورجلك في عافية